تدريب وحلقات نقاش

يجب أن تكون على مقربة من العالم حولك حتى تستطيع فهمه بعمق.. ألبير كامو

أولًا: الشروع في العمل

 

ينبغي أن تصبح أكثر وعيًا بذاتك وإدراكَا لنقاط ضعفك وقوتك، لأن ذلك سيمكنك من تحسين مهاراتك وتطوير نفسك، كي تتمكن من التأثير الإيجابي على كل ما حولك.
ويمكنك الاطلاع على أهداف تلك الورشة وتنفيذ خطواتها لأنها تساعدك في فهم نفسك بصورة أفضل وتعمق وعيك.

أهداف الورشة

لقد أثبتت الأبحاث حديثًا أن تحقيق الأهداف سريعًا وبسهولة يستلزم التعلم والمعرفة والعمل بالطرق الصحيحة من أجل الوصول إلى تلك الأهداف، وورش العمل لها أهمية كبيرة في تحسين أداء العاملين وإضافة مهارات جديدة لهم، ففي نهاية ورشة العمل ينبغي أن يكون المشاركون فيها قد اكتسبوا العلم والمعرفة ببعض الأمور مثل:

  • معرفة الذات وإدراك نقاط القوة فيها والضعف
  • احترام الفروق الفردية بين العاملين والثقة بأنفسنا وتقديرها
  • استبطان –أي مطالعة النفس- قيم التعاون والتفاهم بدلًا من التنافس السلبي
  • كيفية التفكير المنطقي السليم
  • العمل على تحقيق النظرية البنائية الوظيفية

¨   إن ما يدور حولنا لا يُذكر مقارنة لما يكمن داخلنا.
رالف والدو إيمرسون

ثانيًا: ما هي الذات؟

 

  • لقد اختلف الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع حول مفهوم الذات وكان لكل منهم اجتهاده في تعريفها، ومفهوم الذات هو موضوع قد أُثير قديمًا وحدث حوله العديد من المناقشات والاختلافات على مر العصور، وقد قال البعض أنه إجابة عن سؤال مَن أنا؟ لكننا يمكن استخلاص تعريف بسيط موجز عن الذات، فالذات هي مجموعة من الأفكار والعقائد والأنظمة العصبية والنفسية والاجتماعية كما أنها سلوك الفرد ومكنوناته، فهي إرادته للعيش في هذه الحياة.

ويمكننا القول بإن الذات -النفس- تشتمل على أربعة جوانب:

مادية – عاطفية – عقلية – روحية.

 الذات المادية
ويقصد به الجسد وهو الجانب الأكثر وضوحًا في جوانب الذات، فالجسد أول الأشياء تأثرًا بالأحداث التي تدور في المجتمع، فمثلًا حينما يمر الشخص ببعض المشكلات فيظهر ذلك على جسده فنراه يعاني من صداع وفقد التركيز، وهنا نلحظ أن جوانب الذات يتأثر بعضها ببعض، فالجانب النفسي المتضرر ببعض المشكلات ظهر تأثيره على الجانب المادي أي الجسد.

والبيئة المادية هي تلك التي بُنيت على أسس مادية قام الإنسام ببنائها كالنظم الاجتماعية والمؤسسات، وعن علاقة الشخص بالبيئة المادية المحيطة به فهي علاقة تفاعل وتأزر وتعاون فالجسد هو الذي يشيد ويبنى

ويعمر في هذه البيئة.

 الذات العاطفية
في مجتمعات غلبت عليها النظرة المادية، وصارت المادة أساس كل شيء في حياتنا، فلم تعد النفس العاطفية ظاهرة بشكل كافٍ، وفي ظل انتشار الفكر المنطقي والنظرة العقلية للأمور نجد التقليل من العاطفة والمشاعر ووصم مَن يتكلم بها بالتافه الساذج، لكن أن تتكلم بالعاطفة لا يعني أن الأمور تخرج عن السيطرة ولا تستطيع تحكيم العقل، نحن نعيش داخل مجتمع وعالم كبير للغاية فلا يمكننا فيه أن نهمل العاطفة وأيضًا لا نغلبها على العقل فالتوازن بينهما هو الأمثل للعيش بسلام داخل هذا المجتمع والقدرة على التعامل مع البشر في جميع مناحي الحياة، ففي تلك البيئة المادية علينا الاهتمام بما نشعر  والاستماع إلى الأحاسيس التي تدور داخلنا حتى لا نصاب بالجمود والصلابة، نمنح لأنفسنا مساحة تتجلى فيها العاطفة الإيجابية التي تحفزنا وتشجعنا على العمل دومًا وتحقيق الطموحات ولا ندع مجالًا لأحاسيس سلبية تطغي علينا، نفكر بعقل لكن لا ننحي القلب جانبًا، فبالعقل والقلب -معًا- نرتقي دائمًا.

 الذات العقلية
يشغل الجانب العقلي في نفسك مساحة كبيرة، فهو يمثل كل ما يتعلق بأفكارك وما يدور داخل عقلك من تحليل لأحداث يومية والتفكير بالمستقبل ومتطلبات الحياة عمومًا، فالأفكار تتسلل داخلك عفويًا دون سيطرة منك، ولكي تصبح شخصًا قويًا ذا عقلية راجحة، عليك التحلي بالوعي لتدرك كيفية التحكم بأفكارك ومشاعرك تجاه الناس والأشياء حتى يكون حكمك عادلًا ورأيك منصفًا.

 الذات الروحية
والذات الروحية هنا لا تتعلق بأي معتقد ديني، إنما تتعلق بالإحساس العميق للهوية، وبإدراك الشخص لذاته وكونه مميزًا ومتميزًا عن غيره، فالذات الروحية هي نظرة الشخص للعالم ومحاولة الربط بين ما يدور داخله وما يشاهده أمام أعينه، ومن ثم يتكون الشعور بالهوية الشخصية له.

ولنأخذ هذه القصة نموذجًا لما أوردناه..

 

يُحكى أن “مايكل” كان طالبًا جامعيًا، أراد أن يشق طريقه، فعمل في إدارة مطعم مملوك محليًا، وفي بداية الأمر كان يسمح للموظفين بسرقة الكحول معتقدًا أن هذا لا يؤثر في دخل المطعم لأن قيمته قليلة وهو بحاجة إلى هذا القدر من المال، لكنه بدأ يشعر بالذنب حين ذهب إلى منزل أصحاب المطعم -لقضاء عطلة عندهم- ووجد فقر حالهم أيضًا، وقرر عدم السماح للموظفين بسرقة الكحول ودعاهم للتوقيع على بعض البنود من ضمنها عدم سرقة الكحول مرة أخرى، لكن جاء “أرنولد” -وهو موظف بالمكان- والتقى بالعاملين هناك وناقش معهم ما قرره “مايكل” بصورة ساخرة وواجه “مايكل” واحتد الجدال بينهما ففقد “مايكل” أعصابه وقام بدفع “أرنولد”، وفي اليوم التالي استقال “مايكل” وتم ترقية “أرنولد” لأن المشاهدين للحدث رأوا هدوء “أرنولد” وسياسته وحسن قيادته، على عكس “مايكل” الذي فقد السيطرة على ردود أفعاله.

 

المماطلة والتسويف يهدران الوقت
إدوارد يونغ

 ثالثًا: إدارة الوقت
لابد للإنسان من أن يكون على وعي وإدراك بقيمة الوقت في حياته، كما ينبغي أن يكون على دراية بكفيفة إدارة وقته في البيئة التي يعيش فيها، فلا يعمل على إهداره فيما لا يجدي ويستغنم كل دقيقة لأمر مفيد يعود عليه بالنفع، فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين وقد أصبح إيقاع الحياة يسير بخطىً سريعة وكأن عدد ساعات اليوم صارت أقل من 24 ساعة.
* الـتنظيم.. من  أهم الأساليب المعتمدة والناجحة في إدارة الوقت وكيفية قضائه بصورة لا تمثل إهدارًا له هي تنظيم الوقت على مدار الأسبوع أو تقسيم الساعات وتنظيم الأعمال على مدار اليوم، فعدم تنظيم الوقت قد يؤدي إلى تفويت أحداث هامة كان ينبغي عليك حضورها، ويمكن أن تضيع المزيد من الوقت في أشياء صغيرة جعلتها تتراكم عليك دون ترتيب منك لفعلها، يمكن لك كتابة ملاحظات حول أولوياتك على مدار الأسبوع ووضعها في جدول مرتبة بشكل لا يهدر وقتك، بشرط راحتك، ضع راحتك في أهم أولوياتك فإن لم تأخذ قسطًا كافيًا من الراحة فلا تستطيع إنجاز أعمالك وسوف تفقد طاقتك ونشاطك وبالتالي يتراكم عليك كل شيء كان عليك إتمامه. ولابد لنا هنا من أن نذكرك بالمقولة الشهيرة ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” وهي بالطبع تدل على حسن استثمار الوقت حتى لا نندم على ضياعه ومروره بلا فائدة.

قيادة الأهداف

فإدارة الوقت بالصورة الصحيحة تجعلك قادرًا على تحديد أهدافك والعمل على تحقيقها، ويمكنك الاستفادة من المصطلح S.M.A.R.T. وهو اختصار لكلمات تعطينا المعايير المتبعة في تحديد الأهداف وتوجيهها فالأمثل أن يتصف كل هدف بـ:

Specific محدد: ويعني وضع هدف معين لتحقيقه

Measurable قابل للقياس: أي نتمكن من قياس مدى نجاحه

 

Achievable قابل للتحقيق: معرفة مدى سهولة أو صعوبة إنجازه

 

Relevant واقعي: تعني أن يكون الهدف واقعي وأن تمتلك الأدوات الأساسية لتحقيقه

 

Time-bound مقيد بزمن: أي تحديد المدة التي تستطيع فيها تحقيق الهدف

 

وكونك تتسم بالذكاء في تحديد أهدافك فيجب عليك القيام بخطوات أخرى تحفزك على الالتزام بتحقيق هدفك، من ضمن هذه الخطوات أن تتخذ رفيقًا لك تخبره بمسار هدفك سيكون عاملًا مساعدًا وسندًا قويًا يساهم في إنجازك للهدف، كما عليك أن تمنح نفسك المكافأة إذا أتممت جزءًا مهمًا من الهدف، ولا تحزن أو تستسلم إذا لم تنجز المطلوب كاملًا، تعلم من الإخفاقات حتى يكون المستقبل مليء بالانتصارات والنجاحات، عليك اختيار هدفًا يناسبك وذا معني وأهمية بالنسبة لك حتى تؤديه بالشكل الأمثل والأفضل.

 

 

فقه الأولويات
عندما تضع يدك على أهم أهدافك وطموحاتك في الفترة القادمة وتعلم جيدًا ما الذي ستفعله، يمكنك في هذا الوقت القيام بتحديد أولوياتك بعيدًا عن صعوبة الأهداف أو سهولتها، فلا يمكننا إنجاز المهام مرة واحدة وإنما لابد من ترتيبها وإنجاز كل يوم جزءًا منها، فالترتيب طبقًا للأولويات بمعنى إنجاز الأهم فالمهم أسلوب عملي ممتاز، ولا ننسى بالطبع أن الراحة من الأولويات التي لا يمكن الاستغناء عنها، فلابد من تحديد وقتًا للراحة والاستجمام حتى تكون دائمَ النشاط والطاقة.
لدينا بعض الاستراتيجيات التي تساعدك في تحديد أولوياتك:

  • التهم ذلك الضفدع: يبدو هذا التعبير غريبًا ومنفرًا لكن المقصود به هنا أن تقوم أولًا بإنجاز المهام الصعبة والتي تكره العمل فيها، و Eat That Frogبمعنى التهم ذلك الضفدع وهو كتاب لـ براين تريسي يتحدث عن التدريب والتنمية الذاتية، فالبدء بالأصعب هي من الاستراتيجيات الناجحة في إدارة الوقت وزيادة الإنتاج، وتُعد الضفدع رمزًا للشيء الأصعب فإنجازك إياه يجلب لك الشعور بالراحة ويجعلك قادرًا على إتمام مهامك الأخرى.
  • الأشياء العظيمة أولًا: في مدونة ملاحظاتك عليك كتابة أهم ثلاثة أشياء عليك إنجازها في اليوم التالي، ووضعها جانبك عندما تخلد إلى النوم، وعندما تستيقظ قم بإلقاء النظرة عليها للتذكرة، واشرع في العمل بها سريعًا، وبعد إنجازها ستتمكن من قضاء باقي وقتك في أشيائك البسيطة دون الشعور بالعناء.
  • أرباع “كوفي”: ستيفن كوفي هو من أشهر الكتاب الذين ألفوا كتبًا في التنمية الذاتية، وينصح بتقسيم ورقة أولوياتك إلى أربعة أرباع؛ ليضم الربع الأول فيها أعمالك المهمة والعاجلة كالأزمات وسرعة حلها، والربع الثاني يضم الأعمال المهمة لكن غير العاجلة، أما الربع الثالث ويشتمل الأعمال الغير مهمة لكنها عاجلة كالرد على الهاتف مثلًا، والربع الرابع والأخير يندرج تحته جميع الأعمال الغير مهم وغير العاجلة. بهذه الاستراتيجية وهذا الترتيب يمكنك إدارة وقتك بصورة نموذجية وتحقيق أهدافك بمثالية كبيرة.

 

 

التسويف والمماطلة

لا تجعل التسويف مبدأً لك وأنت تدير وقتك، فربما يترتب على ذلك عواقب وخيمة أهمها ضياع هدفك وعدم تحقيق حلمك، فالتسويف والمماطلة يضر بإنجاز المهام ويعطل قضاؤها في الوقت المحدد لها، لذا لابد لك من التغلب على التسويف وإتباع الطرق السليمة لمجابهته، فالمكافاة تحفزك على إنجاز مهامك سريعًا دون مماطلة، كما يمكنك تقسيم المهام الكبيرة والمتعددة إلى مهام صغيرة يمكن إتمامها بجهد ووقت أقل، وربما في بعض الأحيان يلجأ البعض منا إلى التسويف وتأجيل الأعمال بسبب القلق الذي يصاب به حين يشعر بأنه غير قادر وسيفشل في إنجاز المطلوب، لكن عليك البعد ما كل ما يجلب القلق، وخير وسيلة هو الشروع في العمل المطلوب فورًا، وهناك بعض الطرق تجعلك ذا إرادة قوية في إنجاز المهام وعدم تأجيلها:

  • الاستبعاد والقضاء على ما يسبب الخلل؛ فاللعب على الفيس بوك يهدر الوقت ويجعلك تؤجل أعمالك، وأيضًا عادة مشاهدة عروض الوجبات فيؤدي إلى كثرة طلبه وتناوله، يمكنك القضاء على ذلك وعدم الاستجابة من خلال غلق الصفحات الذي تعرض لك تلك المغريات، البدء باستقبال الرسائل وعمل محادثات جماعية يستنزف الوقت دون أن تشعر فعليك أثناء قيامك بالمهام أن تغلق هاتفك فإذا أتممت مهامك يمكنك تشغيله وممارسة هوايتك عليه.
  • وجود الأصدقاء: ينبغي عليك مرافقة أصدقاء لديهم مهام مثلك فتشجعوا بعضكم البعض، كما يمكن أن يستشير كل منكم الآخر حتى تعم الفائدة وتحدث المنفعة للجميع.
  • تقبل الواقع: لا عليك للقلق عندما يصيبك فأنت بذلك في بداية الطريق للتأجيل والمماطلة وعدم قضاء مهامك، فتقبل الأمور كما هي وإن كانت غير مكتملة اجتهد وسوف تحقق المطلوب، وأيضًا تجنب الإفراط في تعقيد الأعمال وحاول أن تراها بسيطة وسهلة من خلال تقسيمها إلى أجزاء، فإن كثرة التفكير تضيع الوقت وتجعلك تؤجل الأعمال.
  • ابتعد عن المبالغة: إنك حين تبالغ في الوقت الذي ستستغرقه لقضاء المهام المطلوبة يجعلك تُسوف كل الأعمال، ذكر نفسك أن هناك دومًا متسع من الوقت.

 

 

مثال تطبيقي
تمتلك “جينفر” العديد من الأفكار والأهداف، لكن دائمًا ما كانت تؤجل أعمالها، ويتشتت انتباهها ويمر الوقت سريعًا دون إنجاز أي شيء، فتقربت من معلمتها “عائشة” وتحدثت معها لتأخذ المشورة، وكانت “عائشة” مميزة بإدارة وقتها وإنجاز أعمالها، فقامت بنصيحة “جينفر” في إزالة الفوضى وتقسيم المهام وتنظيم الوقت، وبالفعل عملت “جينفر” بالنصيحة وأزالت العوامل التي تشتت انتباهها وقامت بالتنظيم، كان الأسبوع الأول هو الأصعب لكن بالتعود والممارسة أصبحت “جينفر” تنجز أعمالها بشكل ممتاز.

 

 

تمنحنا التجارب الجيدة صدقًا في العمل والحياة

                              كارل روجرز

 

رابعًا: الذات العاطفية لدى الأفراد

لقد تم إهمال الجانب العاطفي والمشاعر من قبل البشر في العصور القديمة، فلا اهتمام بالمشاعر وتجاهل أي حديث عنها بل وصف مَن يرغب في الاهتمام بها بأنه شخص ضعيف ولا يتسم بالعقلانية، وهذا الخطأ لم يستمر طويلا فمع مرور السنوات أولى بعض الناس اهتمامًا بالعاطفة وحاولوا الدفاع عنها بمنطق عقلاني، كما عملوا على توضيح أهميتها في الحياة المعيشية.

صحة المشاعر والانفعالات
يرى البعض أن الأمور التي نشعر بها -دومًا- صحيحة وأحاسيسنا ترشدنا للصواب، لكن لا يعني هذا أن نستسلم لما نشعر به ونوجه انفعالاتنا نحوه، فشعورنا -مثلا- بالغضب لا يمكن أن يجعلنا نغضب على أمور لا تستحق الغضب، لذا لابد أن نتحلى بالتوازن بين العقل مع العاطفة، ونكون صادقين مع أنفسنا وواضحين بشأن غضبنا تجاه أي إحساس نشعر به، تجنبًا لوقوع نتائج سلبية تؤثر علينا بصورة سيئة.

الفائدة من المشاعر
“إن حياة الإنسان كانت وحيدة، فقيرة، عنيفة، قاسية، وقصيرة” هكذا وصف الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز الحياة في مرحلتها الأولى قبل تأسيس الإنسان للمدن والحضارات، فقد كان حياة الفرد منعزلة وصعبة حتى أصبح هناك الحاجة إلى بناء مجتمع بل منظومة اجتماعية كاملة، لكن في ظل الظروف البيئية قديمًا كان يتملك الإنسان دائمًا الشعور بالخوف وعدم الأمان، وبالرغم من ذلك فإن هذا ساعده على التحدي ومواجهة الصعاب والتغلب على الموت -بالهروب أو القتال- للعيش في هذه الحياة، والتعرف على البيئة المحيطة به والتأقلم معها.

الوعي بالمشاعر (البصيرة)
ينبغي أن نحسن المعرفة بعواطفنا ويكون لدينا القدرة على فهمها العميق وإدراكها جيدًا، لأن ذلك يساعدنا على اتخاذ القرارات الصائبة.
وقد طور علماء النفس الإدراك العاطفي وجعلوا له خاصتين أساسيتين وهما:
الإثارة وهي المستوى الذي من خلاله تظهر مشاعرنا كالفرح والغضب والقلق، والتكافؤ وتشير إلى درجة المشاعر المثارة وقياس كونها عالية أو منخفضة.

 

 نموذج تطبيقي
لقد كان والد “آريا” و”سالي” موظفًا حكوميًا لكنه فقد وظيفته، وعندما علمت الشقيقتان بذلك استحوذ القلق عليهما، لكن “آريا” وجدت أن ممارستها لرياضاتها متنفسًا لها، ولم تدرك أن حب “سالي” للخياطة وقراءة القصص هو أيضًا متنفس لها، فلا يستدعي ذلك أن تغضب منها وأدركت أن قلقها واكتئابها لم من شقيقتها، وبدلا من خلق الجدالات قامت “سالي” بالبحث عن وظيفة أخرى لوالدها.

 

 

 

ترتكز سعادتك على طبيعة أفكارك.
ماركوس أنتونيو

 

خامسًا: توجيه المزاج
ينبغي أن يكون لدينا القدرة على التحكم في شعورنا، ومواجهة التقلبات المزاجية، ومعرفة الكيفية التي تمكننا من التعامل مع المزاج المتغير.

 

 الذكاء العاطفي
يقصد بالذكاء العاطفي هو المقدرة على إدراك وفهم والتعامل مع العواطف، فالشخص الذي يتميز بالذكاء العاطفي لديه ملكة التعرف على مشاعره ومشاعر الآخرين حوله، مما يساعده على الاستفادة من فهم تلك المشاعر، فحين تصاب بالغضب والإحباط تفكر أن تذهب وتصرخ في الفضاء لكن للأسف هذا ليس الحل الأمثل، فالذكاء العاطفي أن تستوعب ما تعنيه نفسك وعاطفتك حتى تخضعها لأجلك أنت.

أقسام العاطفة
من أجل الاستفادة من مشاعرنا وجعلها ذات جدوى، من الممكن تقسيمها إلى فئات نستطيع من خلالها أن نحسن أداءنا وفقا لدرجة الإثارة:
* فئة عالية الأداء وتشتمل على عواطف مثل الحماسة والثقة والتفاؤل.
* فئة منخفضة الأداء وتحتوي على عواطف كالحزن واليأس والاكتئاب.
* وهذه الفئة من العواطف متأرجحة بين العاطفتين السابقتين كالشعور بالقلق عندما يوجد اختبار فقد يؤدي إلى جعل الشخص يبذل جهودًا مضنية لاجتياز الاختبار، وربما يؤدي به القلق إلى الخوف واليأس فتنخفض عاطفته ولا يؤدي أداء عالي فيفشل في اجتياز الاختبار.

 

تهييج المشاعر وإثارتها
للذكاء العاطفي دور هام في توجيه المشاعر وإثارتها، لأنه يمكنك من معرفة ما ينبغي عليك القيام به كي تغير شعورك وإحساسك، فزيادة مستويات الإثارة لديك يعزز فئة الأداء العالي في العواطف وينمي عندك الشعور بالتفاؤل والحماس وهناك بعض الأمور تحفز الإنسان على الشعور الدائم بالراحة والهدوء:

 

  • ممارسة الرياضة: يوصي الأطباء النفسيون مرضاهم الذين يعانون الاكتئاب بممارسة الرياضة والذهاب إلى صالات الألعاب الرياضية، فالنشاط العضلي يساعد على إطلاق مجموعة من المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ والتي تعزز الإحساس بالسعادة وتحسين الحالة المزاجية. فهناك العديد من الدراسات أثبتت جميعها القدرة المذهلة لممارسة الرياضة في تحسين الحالة المزاجية لدي الأشخاص عامة والأشخاص المكتئبة خاصة، فالرياضة تساهم في تعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات، كما تمكن الشخص من التخلص والقضاء على الأفكار السلبية.

 

  • الاستماع إلى الموسيقى: فالموسيقى من أهم الأساليب العلاجية لمرضى الاكتئاب قديمًا وحديثًا، فقد استخدمها العلماء العرب لعلاج بعض الأمراض النفسية الشبيه بالاكتئاب، وفي العصور الحديثة اشتهر العلاج بالموسيقى في فترة الحربين العالميتين لما كان الكثير يعانون من الآثار النفسية التي خلفتها الحروب، فالاستماع إلى الموسيقى بإيقاع هادئ وامتصاص الجسم للترددات الصوتية يساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب، بل ويجعل الإنسان يشعر بمستويات أعلى من الحماسة والنشاط، فالموسيقى تقود الإنسان إلى الاندماج معها بصورة تلقائية وتجعله يتفاعل معها جسديًا، وكذلك ممارسة الغناء والتمايل يخرج الإنسان المكتئب من حالته النفسية السيئة.
  • اللعب: تُعد الكثير من الألعاب وسيلة رائعة للتغلب على أعراض الاكتئاب، فالألعاب تعود بنا إلى مراحل الطفولة وتبث داخلنا الإحساس بالمرح والسعادة.

الحد من الاستجابة للمشاعر المثارة
على الرغم من أن استثارة المشاعر بدرجة عالية من الأمور المفيدة، لكن لا يمكننا فعل ذلك دائمًا، ولا ينبغي أيضًا خفض أحاسيسنا إنما الأفضل من هذا وذاك هو التوازن بين مستويات الإثارة، فمثلا الأشخاص التي لديها عاطفة أكثر يجب عليها السعي لخفض مستوى عواطفها المثارة، فالشخص الذي يعاني الإحباط ولديه مستوى عالي من الإثارة فلن يقدر على تقييم المواقف التي يتعرض لها، لذا يجب عليه التغلب على عواطفه المثارة وخفض مستواها وذلك عن طريق الطرق التالية:

  • التنفس: يساعدك أخذ نفس عميق وبطيء على الهدوء والراحة ويحفزك على التراجع وعدم الصدام.
  • الاستسلام للاسترخاء: يساعدك التأمل الذهني في صرف انتباهك عن مشاعر الخوف والقلق والارتباط بمن حولك، كما يساعدك التأمل على التعامل مع الأفكار السيئة والعواطف باتزان وواقعية أكثر.

 

  • ممارسة الرياضة: لقد لعبت الرياضة دورًا مؤثرًا لدى الأشخاص المصابين بتزايد في معدل مستويات الإثارة، وكذلك أيضًا تعلب نفس ذلك الدور المؤثر لدى الأشخاص المصابين بانخفاض في معدل مستويات الإثارة. فإن لممارسة الرياضة وجهان مؤثرين للغاية.
  • الصياح والصراخ: يُعد من الطرق الفعالة لتفريغ الشحنات السلبية داخل أي إنسان، لكن لابد وأن يحسن استخدام تلك الطريقة لا يصيح فيمن أمامه سواء رئيسه في العمل أو زوجته أو أطفاله، وإنما يذهب إلى مكان خالي ليخرج ما بداخله ويعود هادئًا من جديد.

ويمكننا الاستدلال على ذلك بمثال على صديقين، فالأول عانى من الاكتئاب بسبب ترك صديقته له، والثاني مصاب باليأس والإحباط بسبب مشكلات كثيرة في العمل، وكان كل منهما في عزلة بعيدًا عن الآخر، فقرر الثاني الجري في الشوارع من أجل الخروج من حالته هذه، وأثناء جريه مر على منزل صديقه وطلب منه الخروج معه وبالفعل وافق وكانت النتيجة شعور الصديقين بتحسن وهدوء واستعادة الطاقة من جديد.

نحن دومًا ننتصر أفكارنا لكن إن لم نغيرها فربما لا نتطور أبدًا

سانتوش كالوار

 

 

سادسًا: الذات العاقلة
قد يبدو أن الذات العاقلة تشير إلى التفكير بالعقل مع محو العاطفة والاعتماد على العقل فقط في معالجة المواقف والمشكلات، لكن العاطفة تلعب دورًا كبيرًا في تقييم المواقف والأمور بشرط تحكيم العقل أيضًا، فخلق التوازن بين التفكير العقلاني والعاطفة يؤدي دومًا إلى إقامة علاقات ناجحة ومؤثرة داخل المجتمع.

 

أنماط التفكير
هناك العديد من أنماط التفكير التي يمكنك إتباعها في حل المشكلات، وقد قام علماء النفس بالتفريق بين نوعين من أساليب التفكير وهما التفكير العالمي أي التفكير الإنساني والتفكير الخطي أي المحلي المحدود، لكن برغم كثرة أنماط التفكير فلا يُعد أي أسلوب أفضل من الآخر، وإنما عددوا الأساليب كطرق متنوعة في معالجة المشكلات وكيفية البحث عن حلولٍ لها، ويفضل أصحاب التفكير العالمي النظر إلى الصورة العامة والنظر من الخارج كي تضح الرؤية كاملة، أما أصحاب التفكير الخطي ينصب تركيزهم دائمًا على النظر إلى التفاصيل التي تحويها الصورة والتدقيق على كل جزء فيها، فمثلا إذا أعطينا لأصحاب التفكير العالمي والخطي لعبة مكونة من أجزاء وطلبنا تجميعها فماذا سيحدث؟! نرى المفكرين العالميين يتصوروا اللعبة وهي مجمعة فيسعون إلى تجميعها طبقًا لتصورهم، أما المفكرون الخطيون فنراهم يراجعوا التعليمات ويبدؤون في تجميع اللعبة خطوة تلو الأخرى، وفي الحياة العملية يصعب خلق التعاون وإنجاز المهام بين أصحاب هذين النمطين.

 

أساليب التعلم
يُعد التعلم هو السبيل للحصول على المعلومات والتعرف على المهارات الجديدة، ونري سويًا ثلاثة أساليب للتعلم يمكنك من خلالها تحسين قدرتك في اكتساب المعارف والمعلومات التي تُطرح أمامك لأول مرة:

  • التعلم السمعي: يتبع هؤلاء الأشخاص طريقة الاستماع للحصول على المعلومات فيقومون بالاستماع إلى المحاضرات والدروس التعليمية، وإذا أردت أن تكون متميزًا فيمكنك تسجيل تلك المحاضرات والاستماع إليها مرة أخرى لتحسين تعلمك بهذا النمط.
  • التعلم البصري: يعتمد المتعلمون البصريون على الصورة في التعلم والدرس، فهم يحبون قراءة المعلومات بدلا من سماعها وإخبارهم بها، فهم يسترجعوا المعلومات المختزنة من خلال تذكر الصورة التي حوت المعلومات والمعارف التي اكتسبوها، وبذلك يستطيعون الاستفادة من الذاكرة البصرية لديهم بشكل مائز.
  • التعلم الحسي/الحركي: وهو التعلم عن طريق اللمس، فبدلًا من أن تستمع لطريقة عملك لشيء ما، أو أن تشاهد خطوات فعله، فالتعلم الحركي يتيح لك تجربة الشيء بنفسك أنت واكتسابك الخبرة في تعلمه عن طريق قيامك بفعله.

 

 

* الشخصية  

قبل التعمق في شخصية الإنسان وسبر أغوار نفسه لابد وأن نجزم بأن كل من أساليب التفكير والتعلم والذات وغيرها أشياءً معنوية لا مادية وبلا أساس بيولوجي، فإذا قمنا مثلا بعمل تصوير بتقنية متطورة كالرنين المغناطيسي فمن المستحيل أن نرى في عقله الذات مثلا أو مصطلح الشخصية، كأن نرى في تلك التصوير القلب داخل جسد الإنسان لكن يستحيل رؤية الحب بداخله لأنه غير ملموس، لذا كانت تلك هي مهمة علماء النفس، فقد اتجهوا إلى البحث في الشخصية بكل مشتملاتها المعنوية الغير ملموسة، وبدأوا في وضع الاصطلاحات والمفاهيم والرؤى حول الشخصية، لكن بما أن هذه الأشياء وتلك البنى الشخصية معنوية غير مرئية وملوسة فلماذا نحن نقوم بدراستها؟
نجد الإجابة واضحة في علم الرياضيات؛ فعلى الرغم من عدم وجود المثلثات والمربعات والأشكال الهندسية في حياتنا الواقعية وعالمنا الفعلي إلا أن فهم خصائصها يمكننا من القيام بأشياء عظيمة في عالمنا هذا كاستخدامها في التخطيط العمراني والمنشآت.

 

التفكير السيء
وهذا التعبير ينم عن الأشخاص الذين يمتلكون أفكارًا ورؤى سوداوية غير صحيحة وغير هادفة تهدم علاقاتهم في المجتمع فيحالفهم الفساد وتجانبهم الأخطاء بهذا النوع من التفكير.
وقد أوردنا أنماطًا للتفكير وطرق التعلم لكن هناك بعض الأمور تؤدي إلى يتصف التفكير بالعفن المشوه الذي لا يحمد عواقبه:

  • التهويل والتهوين: فلا ينبغي على الشخص حين يواجه مشكلة أن يبالغ ويهول من صعوبتها ويتوقع أسوأ النتائج في حلها، كما لا ينبغي أيضًا أن يقلل من حجمها ويهون منها ويتركها دون أن يضع الحلول المناسبة لها.
  • الحتمية الجينية: وهو أسلوب تفكير سطحي، لأنه يرجع الأمور إلى فكرة حتمية واحدة كاستسلام الشخص للموت عندما يصاب بمرض فلا يسعى للبحث عن علاج وجعل كل تفكيره في الموت واستسلم له.
  • التفكير الثنائي (التفكير بالأبيض والأسود): وهذا النوع من التفكير يقوم على إرجاع الأمور إلى شيئين إما جيد أو سيئ والنظر إليها بـ أبيض أو أسود دون الالتفات للمنطقة الوسطية أو الرمادية وتجاهل وجودها في حياتنا وأفكارنا ومشكلاتنا.
  • افتراض الأسوأ: ينصب دائمًا تفكيرك على وضع علامات مدمرة فقد تصف نفسك بـ “الغبي” عندما تواجه مشكلة بدلا من أن تسعى لحلها، أو تصنف ابنك بالشقي بدلا من أن تراه نشيط الحركة متطلع، فلا تحصر نفسك في إصدار الأحكام السلبية عليك وعلى مَن حولك.
  • الطباع الشخصية: ربما ترى أنك سببًا في حدوث أي أمر سيئ وتفترض أنك مخطئ، فإذا رأيت زميلك في العمل ليس على ما يرام فتظن أنك سببًا في ذلك، وهذا الطبع في شخصيتك لابد من مقاومته كي لا تصاب بالقلق والتوتر عند حدوث أي مشكلة.

 

* عندما يذهب التفكير بك دائمًا إلى توقع الخسارة ويجعلك تخفق في كل ما تواجه في حياتك فعليك تغيير هذا النمط من التفكير، والتوجه نحو الإيجابية لتحقيق النجاحات وتجنب الإخفاقات.
وهذه بعض الطرق التي تساعدك في التغلب على هذا النوع السيئ من التفكير:

  • تعتبر إعادة بلورة الفكرة السلبية داخلك مؤشرًا ناجحًا على مواجهتها، فبدلا من تفكيرك بأنك سوف ترسب في اختبار مثلا، يمكنك التحدث مع نفسك بأنك إن لم تنجح في الامتحان فسوف تصبح راسبًا، بمجرد ذكر كلمة النجاح ستضع لنفسك خطة للمذاكرة كي تحقق هدفك وتصل إليه.
  • تحدث مع نفسك دائمًا حين تواجهك عقبات فاسأل نفسك أولا عن حجم تلك العقبة وما عليك فعله لمحوها وما المجهود المطلوب منك لإزالتها؟ وقم بوضع الاحتمالات وتوقع النتائج فإن ذلك يدعم الجانب الإيجابي في التفكير.

 

  • اجعل من المشكلات التي تمر بها حافزًا لك على توسيع أفق عقلك وتطوير مهاراتك في وضع الحلول، لا تنظر للمشكلات على أنها أزمة تقف في طريق حياتك، بل انظر إليها على أنها سوف تنمي الذات العاقلة لديك.

 

  • تستطيع إفراغ الطاقات السلبية داخلك خلال بثها على الورق وكتابة كل ما يجول في نفسك، وإن كنت تمتلك موهبة الرسم فاللجوء إلى الرسم يُهدي ما تعانيه نفسك ويجعلك أكثر تركيزًا لوضع الحلول لأي مشكلة.

 

ويمكننا التوضيح بنموذج عملي حول الطباع الشخصية، حيث أن شانا لا تجد متعة في التواصل مع الآخرين وتفضل الجلوس في منزلها وقراءة الكتب، وكثيرًا ما ترفض دعوات صديقتها لحضور أي حفل وهذا الأمر يسبب لها إحساس الذنب تجاه صديقتها، لذا قامت بإجراء اختبار لشخصيتها وأشارت نتيجة الاختبار إلى أن طبع شخصيتها انطوائية حتى قل لديها هذا الشعور، وبدأت في إدارة وقتها وتنظيم مهامها ووجدت أن هناك وقتًا لتلبية إحدى دعوات صديقتها.

 

أهم ما يجب أن تعرفه هو أنك قليل العلم بما يدور حولك.                                               ديان أربوس

 

سابعًا: الوعي الذاتي
يُقصد بالوعي الذاتي هو مدى معرفة كل إنسان بنفسه، وأنماط شخصيته، وطريقته في التعامل مع الآخرين، وفهم العالم المحيط به، فالوعي بالذات ليس سهلا؛ حيث نجد البعض منا يقوم بتصرفات وردود أفعال لا يحسن تفسيرها أو فهمها بل ربما قام بتكرارها دون أن يشعر، فدائمًا هناك جانب غامض داخل الإنسان لا يستطيع هو فهمه.

 

أنماط التفكير المختلفة
نجد الأشخاص ذات التفكير المتشابه يمكن أن يتوافقوا داخل مؤسسات العمل بل ويحققوا نجاحات للمؤسسة، أما الأشخاص الذين لا يملكون فكرًا واحدًا ولكل منهم نمط وأسلوب خاص به في إدارة أعماله عادة لا يحدث توافق بينهم، ويظل هناك اعتزاز كل فرد منهم بفكره فلا يحدث نوع من التفاعل أو التقارب، لكن إذا كان هؤلاء الأشخاص داخل فريق عمل يقوده مدير توفرت فيه صفات القائد فإنه يكون قادرًا على استغلال اختلافهم في التفكير والاستفاد منه، فالاختلاف في أنماط التفكير يثمر ويعود بنتائج مذهلة في إدارة الأعمال والمشاريع والحياة كافة، ويمكن أن يساعدك الوعي بالذات على التعامل مع جميع أساليب التفكير المختلفة وتعرف كيف تؤثر أو تتأثر حتى تكون دائم التطور وعالمًا بمكنونات نفسك.

أساليب التعلم المختلفة
إذا أردت تعميق الوعي الذاتي لديك فربما تجد نفسك في موقع قيادي وعليك تعليم الآخرين فماذا ستفعل في ذلك الحين؟!
ليس الأمر بذلك الصعوبة فإذا كنت متعلمًا سمعيًا فينبغي عليك إتباع الطريقة التي كنت تتعلم بها، فقم بإقامة الندوات وإنشاء المحاضرات أو اتخذ خطوات نحو التصاميم كوسيلة من وسائل التعلم البصرية لمساعدة من يفضلون هذا النوع من التعلم حتى يستوعب الجميع، كما يمكنك تقديم تدريبات وعروض للأشخاص الحركيين وبهذا سوف تصبح لديك القدرة في تعليم الجميع بأساليب التعلم المختلفة.

 

 

الاستماع ولغة الجسد

كلما ارتفع لديك درجة الوعي بذاتك، كلما صرت أكثر مهارة وقدرة على التعامل مع الآخرين والتفاعل داخل المجتمع، وأصبحت تحسن التواصل في شتى مجالات الحياة.
ويُعد الاستماع الفعال هو إحدى المهارات مثله مثل مهارات حل المشكلات، ولكي تتمتع بهذه المهارة عليك استخدام التقنيات التي تساعدك في ذلك كأن تكون مهتمًا حقٌا بما يقولون لا بما يجول في رأسك حوله.
وإليك بعض النصائح التي تجعل منك مستمعًا فعالًا:

  • الصمت التام ليس تعبيرًا على أنك مستمع جيد، لذا عليك استعمال بعض العبارات والكلمات القصيرة التي تعبر عن كونك مستمعًا جيدًا لما يقال لك، فإذا تحدث إليك شخص ما فقل له -مثلا- نعم، ماذا بعد، هيا أكمل، سيصل له إحساس بأنك تتفاعل معه وتستمع له بإنصات.
    كما يمكنك أن تضفى على حديثه بعض الاستفهامات أو تطلب توضيح بعض العبارات التي يقولها حتى يشعر بأنك تريد منه أن يسرد المزيد ويتحدث أكثر.

 

  • يمكنك بعد أن ينتهي من حديثه أن تقول له النقاط الرئيسية ثم تناقشوا الموضوع سويًا، سيعلم وقتها أنك كنت في كامل تركيزك وأن تستمع إليه.
    كما يمكنك إظهار التعاطف إذا لزم الأمر، فمثلا إذا تحدث معك شخص عن شيء يؤلمه فأعليك أن تُبدي له أنه حقًا لأمر صعب وأنه محق في حزنه وتعاطف معه وخفف عنه وهون عليه هذا الشيء.

 

  • من أكثر الأشياء احترامًا للآخر حين يتحدث إليك وأنت تعلم جزء من حديثه لا ينبغي عليك أبدًا مقاطعته وتخبره أنك على معرفة بالأمر، أو حتى لو كنت لا تعلمه ولكن توقعت أجزاء من الحديث فالتزم الصمت واستمع إليه دون أن تقطع استرساله في الكلام كي لا يرغب في انتهاء الحديث دون التعبير الكامل عما بداخله فيصاب بالإحباط.

 

  • إذا كنت مستمعًا جيدًا فسوف تستطيع معرفة الحالة النفسية التي تغلب على المتحدث لك، فمن خلال نبرة الصوت ستكتشف حالته إما أن يكون سعيدًا أو حزينًا.

 

  • عليك مراعاة أن تكون أسئلتك تحمل إجابات بها بعض الاستفاضة حتى يشعر أنك تريده يتحدث أكثر وأكثر.

 

أما فيما يتعلق بلغة الجسد فينبغي على المستمع الجيد أن يكون على دراية كافية بلغة الجسد، وتُعد لغة الجسد جزءًا هامًا في التواصل مع البشر فهي تعكس ما يدور داخل الأشخاص من عواطف ومشاعر وأحاسيس، فبعض الحركات والإيماءات تعبر عن الحماسة والإصرار ومن ثم نستطيع فهم الرسائل التي تحملها لغة الجسد، وربما سميت لغة لاحتوائها على إشارات تحوي معان وتعبيرات كثيرة.
وهناك بعض الأمور يجب مراعاتها مع الشخص فيما يتعلق بلغة الجسد:

 

  • التواصل البصري أحد أهم الأشياء في لغة الجسد، لذا احرص دائمًا للنظر في عين المتحدث حتى تمحنه إحساس أنك جدير بالثقة، لكن لا يمكنك تدقيق النظر طوال حديثك معه وليكن 60٪ فقط من وقت حديثكما حتى لا يُفهم التواصل البصري على أنه هجوم وعدوانية.
  • يجب أن تكون وضعية الجسد تنم على حسن استماعك، فالأشخاص الذين لا يريدون الاستماع يجلسون باسترخاء وليس على مقربة من المتحدث.

 

  • تعبيرات الوجه وبشاشته لها أكبر تأثير على التفاعل بين الأشخاص، فالابتسامة لها وقع جميل إذا أردت التعرف على شخص، وأن تعلو وجهك مشاعر إيجابية يعني أنها ستنعكس على مَن تخاطبه وتتحدث إليه.

 

  • أحد العوامل التي تشجع الأشخاص على الاسترسال في الحديث هي أنك تظهر له اهتمامك وذلك عن طريق التفاعل معه باستخدامك الجسد كهز رأسك -مثلا- والإيماء بالموافقة أو الرفض.

 

التحليل التفاعلي
وتشير هذه النظرية النفسية إلى قدرة الأشخاص على فهم سلوكيات الآخرين من خلال وعيه بنفسه وإدراكه لذاته وضبطه لسلوكياته، وهذا الأمر يؤثر على الآخرين بصورة إيجابية ويحفزهم على التغيير، هناك ثلاثة أنماط مختلفة للسلوك عند التفاعل مع الآخرين:

  • أسلوب الأطفال: عدم إشعار مَن تتحدث إليه على أنه طفل، فتجنب العبارات التي تشعره بأنه عديم المسئولية كالأطفال، كأن تقول له اترك هاتفك وأنت ماسك بالهاتف.
  • أسلوب الوالدين: هذا النمط من السلوك قد يواجه العديد من الأشخاص، حين تتحدث مع شخص ويتعالى عليك ويراك مخطئًا في تصرفاتك، ويوجهك بطريقة سلطوية مخضعة وكأن له وصاية عليك، فيعبر عن ذلك بعبارات استنكار وتهجم تصيبك بالإحباط مثل “ألا يمكنك أن تكون واعيًا وناضجًا ولو لمرة واحدة؟!”

 

  • الأسلوب الواعي: من أفضل أنماط السلوك في التعامل مع الآخرين لكونه يستند إلى الحقائق الواقعية والتفكير المنطقي في التفاعل معهم والنظر إليهم على أنهم أشخاص راشدون، قد يحتاجون للمساعدة لكن دون أن تكون ذو وصاية عليهم، فهذا الأسلوب يساعد على حسن التفاعل والتكيف مع الآخرين.

* أنماط السلوك هذه تميل إلى التكرار وتظل في حلقة مستمرة، لكن لابد من وقفة وعدم إتباع الأوضاع التكميلية هذه، فلا يجب أن تعيش دائمًا في حلقة الطفولة وتُملى عليك الأوامر، بل يجب كسر هذه الحلقة وإجبار الآخرين على التعامل معك بالصورة الصحيحة، ربما يحدث في البداية تصارع واختلاف لكن مع الوقت سيتفهم الآخر أنك لم تعد طفلًا ولن يعيش هو دور الوالدين في توجيهك والسيطرة على تصرفاتك.

 

مثال واقعي
تعاونت غريس وبريسيلا على القيام بمشروعٍ مهم، وكان يتطلب إجراء دراساتٍ عديدة، لذلك قررت كلٌ منهما تقسيم خطط المشروع بينهما، ولأن غريس مفكرة متخصصة في هذا المشروع فقد تميزت خطواتها بالجدية العلمية، ولأن بريسيلا مفكرة نظرية فقد اقتصرت نظرتها للمشروع على بعض الأمور العامة، ولأن كل واحدة منهما تعرف قدرتها فقد سعيا إلى التوافق بينهما، فقامت غريس بإنشاء عرضًا مصورًا لفكرة المشروع وذلك من خلال برنامجٍ تم إعداده لهذا الغرض.
كما أن بريسيلا كانت متخصصة في ما هو بصري، بينما كانت صديقتها غريس متخصصة في ما هو سمعي، فأصبح كلٌ منهما يكمل الآخر.
لذا فقد قامت بريسيلا -أمام الحضور- بالشرح الوافي فيما يخص الجانب البصري في الفيديو الخاص بالمشروع، في حين أن غريس قامت بالتحدث عن الجانب السمعي، الأمر الذي أبهر الحاضرين

 

الصراعات النفسية داخل الإنسان تسبب له ألمًا كبيرًا.

                                                               مايا أنجيلو

 

ثامنًا: الذات الروحية

إن تنمية الوعي بالذات الروحية هو تطوير للذات كلها والعمل على رفعتها، فالوعي بالذات هو إدراكك لأفكارك ومشاعرك ومعتقداتك والعمل على تنمية الشخصية بوجه عام، فإذا قمت بإتباع الطرق التي تعمل على تنمية وعيك الذاتي فقد تصبح لديك القدرة على الوعي أكثر بجسدك وقلبك وعقلك، كما يسهم ارتفاع الوعي الذاتي في تحقيق مستويات أعلى من النجاح في كل جوانب الحياة.

 

 

اليقظة

وتعني التركيز الكامل لإدراك الجسم والعقل في الوقت الحاضر، فلا تعيش في أحلام وتظل مترقبًا في قلق وتوتر، وتتمحور العقيدة البوذية حول ثلاثة أمور منها المجتمع البوذي، فكلمة بوذا تعني “الرجل المتيقظ”، وقد عمل علماء النفس على تطوير الذهن لمساعدة العديد من الناس على التعامل مع القلق والاكتئاب والاضطرابات التي قد تحدث بعد الصدمات.

ويشبه البوذيون عقل الإنسان بالقرد الذي ينتقل بين فروع الأشجار ولا يستقر على فرع، فعقلنا دائمًا يميل إلى التفكير فيما مضى ومراجعة أحداث الماضي والتنقل بينها وبين المستقبل، فلا يستطيع أن يعيش اللحظة ويكون يقظًا لكل ما يحدث فيها، نراه سريعًا يفقد التركيز في لحظته الحالية، فأن تكون متيقظًا تعني أن تكون على وعي كامل وإدراك لعواطفك وأفكارك، والتأمل الذهني هو أولى الخطوات كي تصبح متيقظًا لكل اللحظات التي تمر بها في حياتك.

 

التأمل

ونرى أن للتأمل أهمية عظيمة في الممارسات البوذية فهو عندهم استراتيجية أساسية تجعل الإنسان قادرًا على تحقيق ما يريده لنفسه، حتى نرى أن بوذا نفسه كانت جلسته تنم عن ممارسته التأمل، وكأنك بالتأمل في حالة تواصل مع ذاتك الداخلية.

وهناك العديد من الفوائد للتأمل كتقليل التعب والإجهاد، وتعزيز الانتباه، كما له الفضل في شكل تعاملك مع أفكارك وعواطفك وجعلك أكثر اتزانًا.

فممارسة التأمل تجعلك أكثر راحة وتعمل على الحد من الضغوطات النفسية التي تواجها طوال الأيام، كما تشعرك بالهدوء فيعم السلام النفسي داخلك.

 

ترسيخ الإيجابية

في القرون الماضية وخلال السنوات الأولى للحياة وما وجده البشر -صيادين وجامعي ثمار- من صراعات وتحديات ومواجهة الموت مرات ومرات، أصبحت عقولنا تنتبه تلقائيًا بشكل أسرع إلى المشاعر والأفكار السلبية، ودائمًا ما كانت مشاعرنا الإيجابية تختفي من مواقف حياتنا، ولزرع الإيجابية في أفكارنا ومشاعرنا علينا ممارسة بعض الاحتفالات بما نحقق من إنجازات الصغيرة منها أو الكبيرة.

وهناك بعض الطرق أيضًا لتعزيز الإيجابية في نفوسنا:

 

  • ممارسة التأمل: من أكثر الطرق المفيدة لتحسين الإيجابية هي ممارستك للتأمل الذهني والاسترخاء، فقد يساعدك في مواجهة الإحباط واليأس.

 

  • التحلي بالتسامح: نعتقد دومًا أن التسامح يتعلق بالصفح عن الشخص المخطئ في حقك، لكن هو يتعلق بك أنت أكثر حيث يقلل الغضب الذي تحويه نفسك تجاه ذلك الشخص.
    والتسامح ليس من السهل القيام به ولكي تستطيع فعله قم باسترجاع مزايا ذلك الشخص المخطئ وصفاته المحمودة فلعل ذلك يحفزك على مسامحته.

 

  • أقم احتفالًا: إذا أحرزت أهدافًا وحققت أحلامًا ولو بسيطة عليك بإقامة احتفال ودعوة أصدقائك فالتواصل مع الآخرين وممارسة طقوس الاحتفالات يعزز أواصر الترابط ويولد داخلك الشعور بالإيجابية.

 

  • ممارسة الرياضة: نعلم جيدًا مدى الفائدة العظيمة والمنفعة الكبيرة التي تعود علينا من ممارسة الرياضة، فلقد ذكرنا ذلك في غير موضع في هذا المقال.

 

  • مساعدة الآخرين: لمساندة ومساعدة الأشخاص تأثير عميق داخلنا، فعندما نتطوع لمساعدة شخص في عمل ما فإن ذلك يحسن عمليات التفكير الخاصة بنا، ويخذنا بعيدًا عن التفكير السلبي في أنفسنا، لا ننسى أن رسولنا الكريم حثنا على ذلك لما فيه من خير يعود علينا بقوله: ” أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ”

 

 

شكر وامتنان

ما ذكرناه يعد من الأساليب المهمة التي تساعدك على الشعور بمزيد من الإيجابية بشرط ممارستك لها بانتظام، لكن أكثر الممارسات تأثيرًا في نفسك وبها يزداد تفاؤلك وسعادتك وتنتشر الإيجابية داخلك هو ترسيخ الامتنان والشكر، كل صباح عليك كتابة أشياء أنت ممتن لحدوثها في دفتر ملاحظاتك كعشاء ممتع، أو لقاء ببعض الأصدقاء، وأيضًا تدوين أحداث كبيرة كشفاء من مرض، أو حضورك حفل زفاف، فإن كتابة مثل تلك الأحداث له تأثير ممتاز في توجيه وعيك نحو الأشياء الإيجابية في حياتك.
فعلى سبيل المثال، كانت إحدى الصديقات قد حصلت على درجة الماجستير ولم تجد الوظيفة المناسبة رغم كثرة بحثها، مما أدى إلى شعورها باليأس والاكتئاب، فجاءت إحدى صديقتها وأشارت عليها أن تسجل الأحداث السعيدة في دفتر ملاحظتها، وبالفعل قامت بذلك فكلما شعرت باليأس أسرعت لكتابة ما أثار فرحتها وظلت تدون الإيجابيات كلما كانت تواجه سلبيات، وبالتالي استطاعت التغلب على اليأس وتبدلت مشاعرها للراحة والسعادة، وفي أحد الأيام وصلها رسالة بأنها اجتازت المقابلة الشخصية وتم حصولها على وظيفة مناسبة.

 

لا يعني التواضع ألا تفكر في نفسك، فاهتم بذاتك قليلا.

                                              سي إس لويس

 

تاسعًا: حدود الوعي الذاتي

إن العمل على تنمية الوعي الذاتي لأمر بالغ الأهمية، فهو يكسبك مكانة فريدة بين الآخرين، لكن المبالغة في إدراكك لذاتك وتمجيدها يؤدي إلى نتائج ضارة بك كتشبعك بالكبرياء والأنانية.

 

الاستغراق في الذات

أحد أسوأ الأشياء التي ربما تقابلك وتجعلك تنفق من الوقت والجهد الكثير لتطوير نفسك هي أن تقوم بالاستغراق في ذاتك، كأن تأتي بصورة شخص وتطيل النظر فيها دون هدف، فحينما تصبح أكثر وعيًا بذاتك عليك أن تفلت منها وتتجه -مثلا- لمساعدة الآخرين في أعمال نافعة.

 

الإفراط في انضباط ذاتك

لا تفرط في جعل ذاتك في حالة انضباط دائم، فإن ممارستك لهذا يعد خطرًا لأنك بذلك قد تقضي على الروح العفوية داخلك ولا تفسح مجالًا للتلقائية، فامنح نفسك وقتًا للعب والاستمتاع حتى لا تجد نفسك متمردًا على الممارسات الإيجابية التي قد اتخذتها، فالإفراط في الانضباط ربما يفسد علاقتك بالآخرين لأنك ستراهم في مكانة الأطفال وتمارس دور سلطوي عليهم.

 

تنمية التواضع

التواضع ليس فقط من الممارسات الروحية لتنمية ذاتك وتطويرها وإنما هو عمل أخلاقي أيضًا، فأن تكون متواضعًا يعني أنك تتقبل الآخر وترحب بوجهات النظر المخالفة لك، فلا تتطلع إلى نفسك وذاتك دائمًا وتهيمن على الآخرين وتظهر إنجازاتك وتتباهي بنفسك، فاجعل الآخرين يثنون عليك ويقدرون إنجازاتك ولا تتفاخر بنفسك وتعتز بها.

ومن أفضل نماذج للتواضع لاعب كرة السلة “كيفن ديورانت” الذي فاز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الأمريكي للمحترفين وعندما طُلب منه إلقاء كلمة فأخذ يوجه شكره وثناؤه لكل من ساعده في تدريباته الشاقة والتضحيات التي قدمها الآخرون له، بدلا من أن يمجد نفسه وذاته.

ويمكنك العمل على تعميق التواضع لديك وعدم الخضوع لتمجيد وتعظيم ذاتك وذلك من خلال:

 

  • تقدير الآخرين: اهتم بإنجازات الآخرين واشكر جهودهم، فإن ذلك يسهم في خروجك عن ذاتك وعدم التركيز مع نفسك.

 

  • تشارك الثناء والفضل: عند توليك عمل ما فلابد أن هناك أشخاصًا ساهموا معك في إنجازه، فعليك مدح هؤلاء الأشخاص والثناء عليهم، هذا ليس من التواضع فحسب، وإنما تستطيع بذلك كسب قلوبهم ومنحهم الرغبة في تقديم المزيد من المساعدة لك.

 

  • قم بتقديم الآخرين قبلك: شعورك بأن تكون الأول دائمًا يولد داخلك تعظيم الذات، لذا عليك تسليط الضوء على الآخرين وجعلهم هم أولًا، فإن ذلك يمنحك قدرة أفضل على تقييم الأمور، ويرى الأخرون أحقية وضعك في القيادة.

 

  • لا ترى نفسك على حق دائمًا: لا تظن أن الخطأ ممنوع ولا يجب أن يخطئ أحد، فالاعتراف بالخطأ وتصحيحه يكسبك مزيدًا من القوة، كما أن الضعف الذي أصابك حين أخطأت جعل منك شخصًا جميلًا يقدره الآخرون.

 

  • استمع إلى الآخرين: لقد قال “ديل كارنيجي” وهو مؤلف وكاتب أمريكي في مجال التنمية البشرية “إن أحلى صوت لأي شخص هو صوته”؛ فالانتباه إلى ما يتحدث بها الآخرون دون تصحيحه يساعدك على البقاء خارج ذاتك غير مستغرق فيها.

 

  • لا تحكم على الآخرين: هناك قول مأثور يقول “عندما تشير بإصبعك إلى شخص، فإن لديك ثلاثة أصابع تشير إليك” لا عليك تقييم تصرفات وأفعال الآخرين، ولا تحكم عليهم من حديثهم، فأنت لا تعرف الصورة الكاملة للأشياء ولن يكون حكمك صحيحًا، علاوة على أنك لم تعش التجربة الذي عاشها الشخص المتحدث إليك.

 

تنمية التعاطف
لدينا خطوة أخرى مهمة كي لا تطيل الاستغراق في ذاتك، عليك أن تنمي الشعور بالتعاطف مع الآخرين، فالتعاطف يمكنك من القدرة على التواصل مع الآخرين وفهم مشاعرهم وما يجول في خواطرهم، فلا تقيم الأمور وفقًا لوجهة نظرك.
وهناك مجموعة من الأساليب التي يمكنك من خلالها تنمية التعاطف وجعلك أكثر فهمًا لوجهة نظر الآخرين:

  • الاستماع: ربما لا يستطيع الأشخاص المتميزون فهم الظروف المحيطة بشخص ما، لذا فما عليهم سوى الاستماع له، ليس فقط إلى ما يقوله، وإنما الاستماع إلى كل احتياجاته حتى وإن لم يستطع التعبير عنها.

 

  • التيقن والتحقق: حينما يوجد أشخاص متباعدين في معتقداتهم السياسية والاجتماعية، فغالبًا تنظر إلى مَن اختلفت معه على أنه عدوًا، لكن يجب التيقن من أنكم تحتاجون لأنواع من المشاعر كالاحترام والحب، فلا تجعلوا اختلافاتكم تقضى على ما تحتاجون إليه في مساعدة بعضكم البعض.

 

  • تحديد موقفك: عندما تكون في خلاف مع شخص ما فينبغي ألا تكون محبًا لأن تراه يُعاقب، وتشعر بالنشوة والانتصار، وكأنك على حق وصواب لا يشوبه ذرة خطأ، فإن ذلك يُعد نوعًا من الغرور وتعاظم النفس والذات فلا عليك فعله.

 

  • تنحية وجهك نظرك: في علاقاتك الإنسانية وحديثك مع الآخرين قم بتنحية وجهة نظرك جانبًا، حتى ترى وجهة نظر الآخرين وتستطيع فهمهم، وذلك لا يعني محوها ستظل رؤيتك موجودة إذا احتجت إليها.

وعلى سبيل المثال، كان بريان لديه وعي بذاته وينتصر لنفسه دون الاهتمام بالآخرين وفهمهم، أما جوزيه علم جيدًا أن وعيه بذاته لا يعني تعظيمها بل بتفاعله مع الآخرين ومحاولة فهمهم بعمق، ولذلك عندما تقدما الاثنين لوظيفة حصل عليها جوزيه على الرغم من عدم كفاءته في إعداد الخطط، إنما وجد رؤساء العمل أنه لديه قدرة على التفاعل مع الآخرين وفهمهم وتلبية رغباتهم ومتطلباتهم.

 

جميعنا في نفس القارب، في بحر عاصف، ونحن مدينون لبعضنا البعض بولاء عظيم.
غلبرت كيث تشيسترتون

 

عاشرًا: الاستقلالية
في العصور السابقة لم تكن الاستقلالية من الأمور الشائعة أو المحببة لدى الغالبية، لأن الأفراد كانوا يعيشون داخل جماعة ويقومون بالأعمال بصورة جماعية، فكان لاسم العائلة أهمية أكبر من اسم الشخص، لكن مع الوقت أصبحت فكرة الاستقلال ذات أهمية وبدأ الناس ينظرون إلى التبعية والجماعة على إنها أمرًا سيئًا، إلا أن في ظل التطور التكنولوجي وأشكال التواصل المتعددة يمكننا استبدال الاستقلال بنظرية جديدة ألا وهي الاعتماد المتبادل.

معنى الاعتماد المتبادل
يُعد الاعتماد المتبادل أحد أشكال الترابط الجماعي والتفاعل بين الأفراد، فالأشخاص يتعاونون ويعتمدون على بعضهم البعض، حيث نجد أن كل منهم يؤثر ويتأثر، ولعل أوضح مثال على ذلك ما نراه في المؤسسات فنرى اعتماد المدراء على العمال، والعملاء على الموظفين، كما يعتمد المدراء على الموظفين والعمال في سير العمل، فإذا محوت أي مجموعة من الشركة فحتمًا ستفشل المنظومة، فالملابس التي ترتديها صنعها أحدهم لك، والطرق التي تسير عليها شيدها آخرون لتسير عليها، وأنت تقوم بالسير عليها إلى عملك لتخدمهم أيضًا فكلها اعتماد متبادل ومنفعة تعم الجميع، فلا يتمكن شخص من النجاح بذاته دون جهود الآخرين، فالاستقلال والفردية تتجاهل فكرة الجماعة أننا نعمل معًا لأجلنا جميعًا.

  نظرية النظم لـ دايفيد إيستون

وتشير إلى المنهج الذي يعتمد على تفاعل الأجزاء والمستويات مع بعضها داخل النظام السياسي وهي تعبر عن الاعتماد المتبادل، ويتم تطبيقها على مؤسسات الأعمال حيث نجد جميع العاملين يقسمون المهام إلى أجزاء ليقوم كل شخص بأداء المهمة المكلف بها.
فمثلا عند تعرض أحد العملاء لموقف سيئ نجد أن ذلك سيحدث تأثيرًا على تفاعل العميل مع ممثل خدمة العملاء، مع أن ذلك الموقف قد لا يكون سيئًا مع عميل آخر، ولذلك لابد من معرفة البيئة وكيفية تأثيرها على التفاعل بين الأشخاص.
ويرى أصحاب تلك النظرية وجوب وضع إطار لأي شيء نقوم به، لأن ذلك يمكننا من الالتزام والسير وفق هذه الإطار.

بناء الفريق

في صناعة الوجبات السريعة يقال “بعض المكونات ليست في أماكنها” ويقصد به أن ليس هناك شيئًا مكتملا على الإطلاق.
ففي بناء الفريق نرى أنه يتألف من شخوص جيدين وربما شخوص أخرى سيئين، فمن خلال العمل عليك بالسماح لنقاط القوة بالظهور والتغلب على نقاط الضعف بين أعضاء الفريق، وهناك بعض الأمور يمكن من خلالها العمل بشكل أفضل والسماح لفريقك لإبراز مهارته:

 

  • تحديد الدور المناسب: عندما تعرف نقاط القوة لكل فرد في فريقك، قم بمنحه الدور المناسب له في العمل حتى تحصل على ما تريد من إنجازات.

 

  • معرفة نقاط الضعف: إذا قمت بتحديد نقاط الضعف داخل الفريق، فإنك تستطيع الحد من حدوث أي صراعات محتملة، وتتمكن من الحفاظ على ترابط الفريق.

 

  • تعزيز التفاعل: يجب على أعضاء الفريق الاستمتاع ببعض الوقت خارج إطار العمل، فسوف يؤدي ذلك للتوافق والتآلف بين أعضاء الفريق، كما يساعد على تحسين بيئة العمل.

 

  • نشر الإنجازات: في مؤسسات العمل يجب الإعلان عن النجاحات والإنجازات حتى تتشجع الفرق الأخرى على إتمام المزيد من المهام وتحقيق العديد من الإنجازات.

 

  • الحياد والموضوعية: من الطبيعي حدوث خلافات ونزاعات في بيئة العمل، وعليك التحلي بالموضوعية في إدارة تلك الخلافات وعدم الانحياز، كما يمكنك توقع حدوثها ووضع الإجراءات المناسبة لسرعة حلها حتى يتم الحد من تفاقمها وقت نشوبها.

ومن أجل التوضيح نجد أن الحارس القائم بشئون المكتب لم يُعامل باحترام من قبل المحلل التسويقي بحجة مكانته الوظيفية، وفي أحد الأيام تعرض الحارس لحادث وكُسرت ساقه وتغيب فترة عن العمل، وجاء الحارس البديل لكنه لم يقم بواجباته ومهامه وظل المكتب غير نظيف وسيئ للغاية، مما جعل المحلل التسويقي يرتكب خطأ نتيجة تشتت انتباهه، وقد نتج عن هذا الخطأ خسارة كبيرة في الأرباح، وحين عاد الحارس الأساسي من إجازته قابله المحلل التسويقي بترحاب واحترام ودون تعالي تقديرًا له على أدائه الحسن لمهامه في تنظيف المكتب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *