كورت لوين هو عالم نفس ألماني أمريكي ويعتبر أحد رواد علم النفس الاجتماعي، وقد اهتم بدراسة سلوك الجماعة وخاصة التفاعل بين الأفراد داخل بيئة العمل وأثناء أداء المهام.
وقد قدم نموذجًا فعالًا لإدارة التغيير بكفاءة داخل المؤسسات، وأطلق عليه نموذج لوين ويتكون من مراحل ثلاث يعيشها الأشخاص الذين يمرون بالتغيير، فهو يفترض أن البدء في مشروع ناجح يتطلب استعداد الفريق للخروج من وضعهم الحالي والتحول إلى أساليب عمل جديدة تختص بهذا المشروع، وقد أكد لوين أن التغيير يتطلب أن يتصف سلوك الفرد بالتوازن الديناميكي.
لأن أغلب الناس في بداية التغيير تظهر المقاومة والرفض، ولا ترغب في التحول من الوضع الحالي إلى وضع آخر جديد، لذا قام النموذج على دراسة ثلاث مراحلة لإدارة التغيير وتنفيذه بنجاح.
ويرتكز نموذج لوين على قياس قوة التغيير وتأتي المراحل لتكون فكرة فريدة حول مدى الحاجة إلى التغيير وأهميته في تنمية المؤسسات وبذلك ينتقل الجميع ويتم تطبيق التغيير بنجاح.
تطوير نظرية التغيير لكورت لوين
لقد نُشر نموذج لوين عام 1947 وغالبًا يتم الاستشهاد بأعمال كورت لوين وأبحاثه في علم النفس في الأعمال التجارية وعدة مجالات أخرى، فمثلا صاغ لوين مصطلحًا يسمى ديناميكيات المجموعة وفيه يصف تفاعل الأفراد داخل المجموعات ومع تغير البيئات.
مراحل نموذج لوين
فكرة نموذج لوين تم أخذها من حالتين من المادة (سائلة وصلبة)، فهو يستخدم حالات المياه من أجل إيضاح فلسفته في إدارة التغيير، فيرى أن الماء قد يكون صلبًا ثم يصبح سائلًا، فالمياه التي تجمدت على الجبال مع مرور الوقت وتشكيلها ربما تصبح سائلة بقوة خارجية.
وهنا يأتي تطبيقه فلسفته على الأشخاص عند إجراء التغيير، فقد تقف تلك الأشخاص كقوة مانعة لتنفيذ التغيير لكن يمكن توجيههم بقوة أخرى دافعة في اتجاه إيجابي نحو التغيير.
ونجد أن مراحل النموذج لهذا السبب يطلق عليها إذابة الجليد، تشكيل الجليد، وإعادة تثبيت شكل الجليد من جديد.
ويمكننا توضيح هذا بمثال، فنفترض أن لديك كتلة صلبة من الجليد وتحتاج إلى تشكيلها على عددٍ من الكرات الجليدية المستديرة، فمن أجل الحصول على تلك الكرات ينبغي إذابة الكتلة الصلبة أولًا، ثم وضع الماء داخل قوالب في شكل كرات مستديرة، وبعد ذلك تجميد الماء مرة أخرى في شكله الجديد.
ويتم هذا داخل المؤسسات من خلال القضاء على السلوكيات القديمة، ثم إدخال سلوكيات أخرى جديدة، والمرحلة الثالثة تعزيز تلك السلوكيات الجديدة وترسيخها داخل المؤسسة.
المراحل الثلاث في نموذج لوين
المرحلة الأولى: إذابة الجليد (الشروع في التغيير)
في هذه المرحلة سيتم التعامل مع السلوكيات الحالية ولماذا ينبغي تغييرها، ويتضمن ذلك نقل الأشخاص من وضعهم الحالي إلى وضع آخر جديد.
وهذه المرحلة هي الأصعب لكون الأشخاص لا يرغبون في التغيير ولا يفهمون أسباب اللجوء إليه.
وهناك بعض الخطوات التي ينبغي القيام بها في تلك المرحلة وهي:
* تحديد أهمية التغيير: حيث يجب على المؤسسات إعلام موظفيها بأسباب حدوث التغيير والانتقال من الوضع الحالي إلى وضع آخر جديد، وإخبارهم بالفوائد والنتائج الإيجابية التي ستعود على المؤسسة وعلى الأفراد من وراء هذا التغيير، فذلك سوف يساعد على إذابة الجليد بسهولة وإقناع الموظفين بتطبيق التغيير.
* وجود القيادة الحكيمة: يؤكد نموذج لوين على وجود القادة المهرة أصحاب الخبرات لأن بإمكانهم تسهيل تلك المرحلة من خلال احتواء موظفيهم ومساعدتهم في التغلب على مخاوفهم وتقديم سبل الدعم لهم.
* وضع خطة فعالة: حيث لابد من وضع الاستراتيجيات وإجراء تخطيط فعال في تلك المرحلة كي يتم الانتقال بنجاح خلال المرحلة التالية، ويشتمل التخطيط على خارطة طريق مفصلة لجميع المهام والعمليات التي يتم إدخال تغيير بها حتى يتمكن فريق إدارة التغيير من نقل الجميع إلى الحالة المستقبلية.
ومن أهم المسئوليات التي ينبغي القيام بها هي وضع خطة تواصل فعال، تدريب الموظفين، وعمل تقييم لمدى استعدادهم التنظيمي.
* حسن التعامل مع مقاومة الموظفين: ينبغي العلم أن مقاومة الموظفين ورفضهم جزء أساسي في عملية التغيير لذا ينبغي التعامل معهم بحكمة وصبر، وخاصة أن أسباب الرفض تختلف من شخص لآخر وهنا يمكن استخدام تحليل مجال قوة لوين من خلال معرفة أسباب الرفض والقوة المقيدة لتطبيق التغيير ومحاولة موازنتها مع العوامل الإيجابية للتغيير.
المرحلة الثانية: تشكيل الجليد (التغيير)
وفي هذه المرحلة تكون كتلة الجليد مذابة وعلى استعداد لتشكيلها، فالجميع متقبل للتغيير ويتفهمون أسباب حدوثه وأصبحوا في كامل استعدادهم لتطبيقه، لذا يستلزم الأمر بعض الإجراءات مثل:
* استمرار التواصل: إذا كنت ترغب في تطبيق نموذج لوين بنجاح وتحصد نتائج إيجابية من وراء التغيير، فلابد من استمرار التواصل الفعال مع جميع العاملين لتجنب افتراضاتهم السيئة حول الاستغناء عنهم بسبب التغييرات الجديدة، ولضمان سير الأمور بسهولة وسلاسة.
* تصحيح المعلومات المغلوطة: قد تكون هناك مجموعة قليلة مازالت ترفض التغيير وغير مقتنعة بفكرته، وتبدأ في إثارة معلومات خاطئة كأن يقول أحدهم إن التغيير ليس إلا لكون ابن المدير يرغب فيه، وأن التغيير سيؤدي إلى انحدار المؤسسة دون إبداء أدلة على ذلك، وفي تلك الحالة يجب على القيادة تصحيح تلك المعلومات من أجل البقاء على المسار الصحيح وتطبيق التغيير بنجاح.
* تعزيز دور القيادة: نجاح التغيير باستخدام نموذج لوين يتطلب وجود قيادة محترفة، وهذا الأمر يتم من خلال المؤسسة التي ينبغي عليها أن تشجع القيادات وتعظم دورها وتكافئها على ما تبذله من مجهودات.
* إشراك الموظفين: ينبغي أن تسعى المؤسسة لإشراك موظفيها في خطة التغيير بكل مراحله وتطلعهم على مستجدات الأمور أولا بأول وتشعرهم -أيضًا- بأنهم جزء من عملية التغيير ذاتها، فهُم القوة الأساسية لسير العمل بصورة صحيحة وتطبيق التغيير بنجاح.
المرحلة الثالثة: إعادة تثبيت الجليد (جعل التغيير ثابتًا)
والمرحلة هذه لها أهمية كبيرة في نموذج لوين، لأن المؤسسة إن لم تتمكن من تعزيز السلوكيات الجديدة والعمل على جعل التغيير ثابتًا وراسخًا، قد يعود البعض أو الجميع إلى السلوكيات القديمة ولا يستطيعوا التكيف مع كل جديد.
فالجليد الذي تم إذابته ووضعه كمياه داخل القوالب سوف ينسكب بسهولة إن لم تسارع إلى تجميده مرة أخرى، لذا ينبغي أن تجعل السلوكيات الجديدة هي وضعك الحالي داخل المؤسسة وترسخها بقوة، ويتم ذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:
* توفير التدريب وتقديم الدعم: إن وجود شخص مختص يمكنه تقديم المساعدة -في أي وقت- للموظفين في حالة تعثرهم أمر لا بديل عنه، فتقديم الدعم والمشورة بشكل متواصل يضمن ثبات التغيير وعدم التفكير في العودة للأساليب القديمة.
* تشجيع ثقافة ترسيخ التغيير: يُعد اقتناع الجميع بالتغيير وتطبيقه بنجاح شيئًا محفزًا للحفاظ على التغيير، لذا ينبغي التأكد من كون القادة يقومون بدمج الأساليب والطرق الجديدة ضمن مهام الموظفين، والعمل على الاستماع المستمر للتعليقات للكشف عن أماكن الخطأ إن وجدت، منح الأشخاص الأكثر تفاعلا علاوات إضافية.
* الاحتفال بالنجاح: لابد وأن يشعر العاملين بتقدير من قِبل المؤسسة على ما بذلوه من مجهودات لصالح العمل ولنجاح التغيير، لذا ينبغي على المؤسسة أن تقيم احتفالا لموظفيها وتسليمهم شهادات تقديرية ومكافئات مالية، فذلك سوف يسهم وبشدة في تنمية ثقة العاملين ورفع مستوى إنتاجيتهم.
تحليل مجال قوة لوين
ذكر لوين في نموذجه “لإحداث التغيير يجب الإخلال بالتوازن بين القوى التي تحافظ على التنظيم الذاتي الاجتماعي عند مستوى معين”
وهذا يدل على أن القوة التي تقاوم التغيير تستلزم وجود قوة إيجابية أخرى تقود هذا التغيير وتفوز على القوة المقاومة.
من خلال النموذج هناك نوعان من القوى:
القوى المقيدة (مقاومة التغيير)، والقوى الدافعة (القوى الإيجابية للتغيير)
فعندما ترغب في إحداث التغيير من الوضع الحالي (التوازن) إلى الحالة المستقبلية (التغيير القادم) سوف يتم كسر التوازن.
وأنت تريد الاتجاه نحو التغيير لذا يجب أن تكون القوى الدافعة لديك أقوى من القوى المقيدة ضد التغيير.
وعلى سبيل التوضيح، قد تكون القوى المقيدة للموظفين لديك هي:
*عدم معرفتهم بسبب التغيير وأهميته
* الخوف من الفشل لعدم تمتعهم بالمهارات اللازمة التي تؤهلهم لعملية التغيير
وفي هذه الحالة يمكن أن تستخدم القوى الدافعة والتي ستكون:
* شرح أسباب التغيير واطلاع الموظفين على كافة الأمور
* احتواء خوفهم وتوفير برنامج تدريبي لتأهيلهم
إيجابيات وسلبيات نموذج لوين للتغيير
يُعد نموذج لوين من النماذج الفعالة في إدارة التغيير لسهولة فهمه وتعلمه لذا يمكن أن يقع اختيارك عليه كأفضل نموذج لتطبيق التغيير داخل مؤسستك.
فهذا النموذج شائع ويستخدمه الكثيرون حتى الآن لكونه يستخدم مفاهيم سهلة ويتجنب المصطلحات الصعبة.
لكن هذه السهولة والبساطة في نموذج لوين لم تجعله خاليًا من العيوب مثل:
* عدم احتوائه على بعض التفاصيل في خطتك والاستراتيجية التي ستقوم بها للتغيير يؤدي إلى تفويت أمور هامة قد تكون سببًا في عرقلة نجاح المشروع.
* تحليل القوى وكسر التوازن سلبية إلى حد ما، خاصة أن هذا النموذج تم نشره عام 1947 لجيل مختلف تمامًا عن الأجيال الحالية.
والأمر لك فإذا رأيت أن إيجابيات نموذج لوين تفوق سلبياته فيمكنك اختياره لإجراء التغيير داخل مؤسستك.