المنطق والقرار الاداري

مقدار المخاطر الذي يمكن تحمُّله

تكمُن عملية صنع القرار في مستوى المخاطر التي يمكن تحمُّلها ومواجهتها، وغالبًا ما تُستخدم عبارة: “تقبل المخاطر” لوصْف مستوى المخاطر المقبولة، ونلاحظ وجود خلط بين الرغبة في المخاطرة ومفاهيم أخرى مرتبطة بالمخاطر، وخاصة تصور المخاطر.
ومن أجل الإجابة على ما مقدار المخاطر؟ نقوم بطرْح بعض المفاهيم وتوضيح كيفية ارتباطها ببعضها، ومن أهم العوامل الرئيسة التي لها تأثير كبيرٌ على المؤسَّسات، هي رغبة المؤسسات في المخاطرة وطريقة المخاطرة، فالرغبة في المخاطرة هي المستوى الذي تتقبل المؤسَّسة تحمُّله من أجل تحديد عتبات المخاطرة.
والرغبة في المخاطرة دون خطة قوية، قد يؤدي إلى نتائج سلبية؛ لذا فتصوُّر المخاطرة وإدراكها، هو الأساس لاتخاذ المقدار المناسب من المخاطرة، وتحمله من أجل تحقيق الأهداف.
كما ينبغي وضع الرغبة في المخاطرة وموقف المخاطرة معًا داخل إطار واحد (نموذج RARA) لأن ذلك يوفر نهجًا عمليًا يستطيع الأفراد والمؤسسات من خلاله تحمل المخاطر بشكل جيد.

 

كيف تكون الرغبة في المخاطرة (التشبيه المادي)؟

تنطوي القرارات المهمَّة للمؤسَّسة على المخاطرة؛ لذلك ينبغي علينا أن تكون لدينا المقدرة الكافية للإجابة بوضوح على هذه الأسئلة:

  • ما مقدار المخاطر التي نواجهها؟
  • ما مقدار المخاطرة التي يمكن أن نتحمَّلها؟
  • ما مقدار المخاطرة التي يجب أن نتحمَّلها؟
  • ما مقدار المخاطرة التي نريد تحمُّلَها؟
  • ما مقدار المخاطرة التي سنتحمَّلَها؟
  • ما مقدار المخاطرة التي نتحملها؟

وهذه الأسئلة جميعها ذات أهمية كبيرة، وهناك مصطلحات عدة يتم الاستعانة بها للإجابة عن تلك الأسئلة، ومن هذه المصطلحات الرغبة في المخاطرة، وموقف المخاطرة، والقدرة على المخاطرة، وثقافة المخاطر، والتعرض للمخاطر، وإدراك المخاطر، وتفضيل المخاطر، وملف تعريف المخاطر، والميْل إلى المخاطر، وعتبة المخاطر، وتحمُّل المخاطر، وبسبب التشابه والخلط بين تلك المصطلحات، أصبح من الصعب التفريق بينها؛ لذلك قامت الأبحاث بتحديد أربع طرق يمكن من خلالها فَهْم الرغبة في المخاطرة، والتعبير عنها داخل المنظَّمات:
* العمل على وضع خطة قوية لإدارة المخاطر، تشتمل على المخاطر المحددة، وطرق التعامل معها وتجنبها.
* القيام بدعم المسئولين عن إدارة المخاطر، وذلك من خلال توفير موارد تساعد في إدارة المخاطر، وتعزيز ثقافة الوعي بالمخاطر في جميع أنحاء المؤسَّسة.
* وضع الحدود المناسبة للمُخاطرة، من خلال تشجيع المسئولين، وتنمية مهاراتهم لجعل قراراتهم أفضل وأكثر كفاءة.
* العمل على جعل كل موظف في مكانه المناسب، وتعزيز أداء أصحاب المصلحة.

ومن أجل الفَهْم الصحيح للرغبة في المخاطرة، يجب دراسة النتائج التي تعود من المخاطرة، معرفة إذا كانت تلك النتائج إيجابية أو سلبية.

 

ما تعريف الشهية؟

ترتبط كلمة الشهية بالرغبة في الجوع عند الكثير من الناس، لكن لكلمة الشهية تعريفات ودلالات أوسع من ذلك بكثير، فهي ترتبط بالرغبة في إرضاء المتعة الجسدية، وفي بعض الأحيان تكون للشهية نتائج مدمِّرة كإشباع الرغبة في تعاطي المخدرات، والشهية كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية appetere، التي تعني الرغبة بقوة، وهي أيضًا احتياج نفسي لأمر ما ولابد من تلبيته.

وهناك مجموعة من العوامل التي تؤثِّر على الشَّهية (الرغبة بقوة) لدى فرد معين:
* الخصائص الفيزيائية (الحجم، الوزن، العمر،.. إلخ)
* معدل الأيض (مرتفع، طبيعي، منخفض)
* الحالة الذهنية (القلق، الهدوء، التحفيز، .. إلخ)
* الحالة الصحية الأساسية (جيدة، فقيرة، مريضة)
* عدم وجود شيء مطلوب لصحة جيدة (العناصر الغذائية، الفيتامينات، الماء، .. إلخ)
* آخر تجربة عندما كانت الشَّهية راضية (منذ متى؟، كيف كنت راضيًا؟، وما إلى ذلك).

فالشهية: هي رغبة داخلية لدى الأفراد، تحفزهم على تلبية احتياجاتهم، وليس لها وحدة قياس، ويمكن معرفتُها من خلال الإجابة على هذا السؤال، ما مدى شعورك بالجوع؟ وهذا الشعور يتأثر بعوامل مختلفة، ولا يمكننا التأثير عليه أثناء حدوثه، وإنما تلبيته بقدر المستطاع.

 

الرغبة في المخاطرة:

يسهم القياس المادي في فَهْم بعض الصفات الرئيسة للرغبة في المخاطرة، وذلك من خلال مقارنة الشهية الجسدية مع نظيرتها في المخاطر، فعلى سبيل المثال:
* فبما أن الشهية الجسدية، هي رغبة داخلية في تناول الطعام مثلًا، فإن الرغبة في المخاطرة تعكس مدى المقدار الذي يمكن أن نتحمَّله في موقف معين.
* فكما أن هناك عواملَ تؤثر في شهيتنا الداخلية، فأيضًا هناك مجموعة كبيرة من العوامل تؤثر في رغبتنا في المخاطرة.
* قد نعبر عن الشهية الجسدية ظاهريا من خلال الجوع، وبالفعل أيضًا يمكن رؤية الرغبة في المخاطرة من خلال إصدار القرارات حول مقدار المخاطرة التي يجب تحمُّلها، التي يتم التعبير عنها على أنها عتبات المخاطر.

وبذلك فإن الرغبة في المخاطرة، هي ميل فرد أو مجموعة إلى المخاطرة في موقف معين، ثم يتم التعبير عن الرغبة في المخاطرة باستخدام عتبات المخاطر، التي يتم وصفها من خلال نتائج تلك المخاطر على تحقيق الأهداف.

 

أهمية الرغبة في المخاطرة:

أصبحت هناك حاجة مُلحَّة للمخاطرة لسببين وهما:
الأول: كثرة التحديَّات والتطور التكنولوجي الهائل، جعل هناك ضرورة للرغبة في المخاطرة، فمثلًا المؤسسة الدولية للتوحيد القياسي (ISO) تعطي دليلًا لتقبل المخاطر على أنه: “مقدار ونوع المخاطر التي تكون المؤسسة على استعداد للبحث عنها أو قبولها أو تحملها”، وينعكس هذا في معايير المخاطر الأخرى، كما تشير إرشادات حوكمة الشركات إلى حاجة المؤسَّسات إلى تحديد رغبتها في المخاطرة والإبلاغ عنها، حيث ينصُّ قانون حوكمة الشركات في المملكة المتحدة على أن: “مجلس الإدارة مسؤول عن تحديد طبيعة ومدى المخاطر الكبيرة التي يرغب في تحمُّلِها في تحقيق أهدافه الاستراتيجية”.

الثاني: القدرة على فَهْم الرغبة في المخاطرة، والتعبير عنها لصانعي القرار تسهم في تحديد مقدار المخاطرة التي يجب أن يتحمَّلوها في موقف معين بداية من مجلس الإدارة إلى فِرَق المشروع، كما ينبغي على صانعي القرار أن يكونوا على اطلاع بأهداف الشركة، وقرارات الاستثمار، واستراتيجية العمل، وتنفيذ المشاريع، والحلول التقنية، والكفاءات التشغيلية، فكل تلك القرارات الإدارية المهمَّة، تدفع الرغبة في الإجابة على هذا السؤال: “ما مقدار المخاطرة التي يجب أن نتحمَّلها؟”؛ ولذلك يجب على المديرين فَهْم وإدراك رغبتهم في المخاطرة، حتى تكون قراراتُهم صحيحةً، وتحقق نتائج إيجابية.

 

القُدرة على تحمل المخاطرة:

لقد قلنا – سابقًا في تعريف الرغبة- بأنها ميل داخلي لدى فرد أو مجموعة، ولا يمكن رؤيته أو قياسه مباشرة، ولكن من أين يأتي هذا الاتجاه الداخلي؟ وما الذي يؤثر عليه؟

أولًا: الموقف الذي يتم مواجهته، وهو أحد العوامل التي تسهم في الرغبة في المخاطرة، ولا تأتي الرغبة من فراغ، فالموقف من العوامل المؤثرة في إيجاد الرغبة ونشأتها.
ثانيًا: الأهداف التي يسعى الفرد أو المؤسسة في تحقيقها في هذا الموقف، فالموقف هو المشروع، أما الأهداف فهي أهداف هذا المشروع.

ثالثًا: هناك عاملان آخران يؤثران على الرغبة في المخاطرة، فالعامل الأول يتعلَّق بالأفراد، والآخر ينشأ من سياق المجموعة، فعلى الجانب الفردي، تتأثر الرغبة في المخاطرة في موقف مُعين بالميل العام لكل فرد للمخاطرة، ومدى حماسته وقوة رغبته لعمل المخاطرة، وهذا ما يُسمَّى المَيْل إلى المخاطرة، وهو مرتبط بالسِّمات الشخصية المرتبطة بالمخاطر، أو الدَّوافع الفطرية، والمعروفة باسم تفضيلات المخاطر.

رابعًا: ثقافة الفرد أو المؤسسة في نظرتها للمخاطر، ومدى إقدامِها وشجاعتها على عمل المخاطرة، والاستفادة من نتائجها، ورفع كفاءتها.

فالرغبة في المخاطرة، إذن هي أمر داخلي يخص الفرد ولا يمكن أن يعمل أحد على إيجاده، وهي تنشأ دون وعي ودون اختيار متعمد أو تدخل متعمد من الفرد أو المجموعة، وهذا هو السبب الرئيس في أننا نصف الرغبة في المخاطرة بأنها ميلٌ داخليٌّ.

وبما أن الشهية (للجوع) شيء غير ملموس، لكن يتم التعبير عنه للحصول على شيء ملموس (الطعام)، فأيضًا الرغبة في المخاطرة يتم التعبير عنها للقيام بعمل ملموس، ويمكن ذلك من خلال تحديد عتبات المخاطر، وهي تعبيرات خارجية عن الرغبة في المخاطرة، فيجب أن يكون هناك حد أدنى للمخاطر التي يمكن تحمُّلها لتحقيق كل هدف.

وعتبات المخاطر، هي حد التعرض للمخاطر والقدْر المسموح به لتحمل المخاطر، فلا يجب أن تطغى رغبتك في المخاطرة على تحملك ما لا يمكن تحمله، أو الاستهانة بقدراتك والإقبال على مخاطرة أقل من قدرتك، فالتوازن بين رغبتك في المخاطرة والحد المسموح به هو أساس تحقيق الأهداف بنجاح واستمرار التطور.

من الصعب تغيير الأفكار، إذ امتلاكنا للرغبة في المخاطرة سيقودنا إلى عتبات مخاطرة غير مناسبة؛ وذلك لأن مشكلة الرغبة في المخاطرة، وجميع مدخلاتها عوامل غير مرئية، ويصعب التأثير عليها بصورة مباشرة.

الشكل 1 – مُدخلات ونتائج الرغبة في المخاطرة

 

 

استخدام موقف المخاطرة لعتبات المخاطر المعتدلة:

كان عملُنا السابق يتركز على موقف المخاطرة ويمكن توضيحه على النحو التالي:

الاستجابة المختارة للمخاطر، المتأثرة بالإدراك، هو السمة المهمة لموقف المخاطرة في هذا السياق، وعلى هذا يتم اختياره، وبالتالي يمكن تعديله وإدارته. ومثل الرغبة في المخاطرة، أن يكون لموقف المخاطرة أيضًا مجموعة من المدخلات والنتائج، كما هو موضح في الشكل 2.

 

الشكل 2 – مُدخلات ونتائج موقف المخاطر

 

أولًا- بالنظر إلى المدخلات، نجد أن موقف المخاطر المختار يتأثر بإدراك درجة التعرض للمخاطر المرتبطة بموقف معين، كما أنه يتأثر بإدراك المخاطر لدوره بشبكة معقدة من العوامل، يشار إليها باسم: “الشريط الثلاثي” للتأثيرات (العوامل الواعية واللاواعية والعاطفية). من الشائع التحدث عن عدد قليل فقط من مواقف المخاطر المحددة، مثل تجنُّب المخاطر، أو البحث عن المخاطر، أو تحمُّل المخاطر، أو محايد المخاطر. ولكن في الواقع، يوجد موقف المخاطرة على طيف مستمر مع عدد لا حصر له من المواقف الممكنة. منها -على سبيل المثال- فيمكن مواجهة موقف محفوف بالمخاطر، ويظهر فرد أو مجموعة معينة موقفًا محفوفًا بالمخاطر في أي مكان على هذا الطيف.

وبالانتقال إلى المخرجات من موقف المخاطرة، يتبين أن هناك شيئين مهمين في سياق اتخاذ القرارات في المواقف الخطرة والمهمَّة. الأول: هو أن موقفنا من المخاطر يؤثِّر على درجة المخاطرة التي نحن على استعداد لتحمُّلها، كما هو معبَّر عنه في عتبات المخاطر.  ومن الواضح أننا إذا كنَّا مرتاحين للتعرُّض المتصوَّر للمخاطر (أي أن موقفنا هو البحث عن المخاطرة)، فإننا سنرغبُ في تحديد عتبات مخاطر أعلى مما لو كنا غير مرتاحين لعدم اليقين (تجنُّب المخاطرة).

ويكون تأثير موقف المخاطرة أوسع بكثير من مجرد التأثير على المستوى المختار لعتبات المخاطر والتحمُّل. كما أنه يؤثر على إجراءات المخاطر لدينا.  في الواقع، كل إجراء نتخذه فيما يتعلَّق بالمستوى المتصوَّر للتعرض للمخاطر يكون مدفوعًا بموقفنا من طيف موقف المخاطرة. وتتأثر كل خطوة في عملية المخاطرة بموقف المخاطرة الذي نتبناه في الموقف، بما في ذلك:

  • تحديد التهديدات والفرص.
  • تقييم المخاطر المحددة وتحديد أولوياتها.
  • اختيار وتنفيذ الاستجابات المناسبة للمخاطر.

تعدِّل إجراءات المخاطر لدينا درجة التعرض للمخاطر المرتبطة بالموقف، مما يؤدِّي إلى تصور واضح للمخاطر. ونتيجة لذلك، قد نرغب في تغيير موقفنا من المخاطرة، لمنحنا أفضل فرصة لتحقيق أهدافنا في ضوء تحدِّيها الجديد الذي نواجهه الآن. وعلى هذا، فيجب أن تكون هناك دوْرة بين المستوى الحالي للتعرُّض للمخاطر، وموقف المخاطر الذي اخترناه، وإجراءات المخاطر التي نتخذها.

وبناءً عليه، فيمكننا أنْ نقرر أنَّ تغيير موقف المخاطرة هو مسألة بسيطة لاتخاذ خيار مختلف.

كيف يمكن استخدام محو الأميَّة العاطفية التطبيقية لتعديل موقف المخاطرة بطريقة متعمَّدة، باستخدام إطار يُسمَّى نموذج Six A؟ يبدأ هذا بالوعي بموقف المخاطرة الحالي الذي اخترناه في البداية في موقف معيَّن، جنبًا إلى جنب مع تقدير العوامل التي أثَّرت على هذا الاختيار. وبعد ذلك نقوم بتقييم ما إذا كان موقف المخاطرة يساعدنا على تحقيق أهدافنا أم لا، وإذا تم تقييم موقف المخاطرة الحالي على أنه مناسب، فإننا نقبله ونستمر دون تغيير. ومع ذلك، إذا كان التغيير في موقف المخاطرة مطلوبًا، فإننا نؤكِّد على الحاجة إلى التغيير، ونتخذ إجراءاتٍ لتعديل موقف المخاطرة الذي اخترناه.

أمثلة على مستويات الرغبة في المخاطرة:

فيما يلي أمثلة على مستويات الرغبة في المخاطرة للمؤسسة.

  • النفور: تنفر المؤسسة من المخاطرة ويكون التجنب هو القرار الرئيس.
  • الحد الأدنى: تفضِّل المؤسسة تحديد خيارات آمنة للغاية، ولها درجة منخفضة من المخاطر.
  • الحذر: تكون المؤسسة على استعداد تام لتحديد الخيارات الآمنة، ذات الدرجة المنخفضة من المخاطر.
  • الانفتاح: تكون المؤسسة منفتحة على المخاطر أثناء النظر في جميع الخيارات المحتملة.
  • الابتكار: تكون المؤسسة حريصةً كل الحرص على أن تكون مبتكرة، وتتضمن الخيارات التي تنطوي على مخاطر ومكافآت عالية.

تختلف مستويات الرغبة في المخاطرة، من مؤسسة إلى أخرى اعتمادًا على الأعمال والصناعة وأهداف المؤسسة.

الرغبة في المخاطرة والقدرة على تحمل المخاطر:
يمكن تعريف تحمُّل المخاطر على أنه عكس الرغبة في المخاطر، وهو النطاق المحدِّد للنتائج المقبولة التي تُقدِم المؤسسة فيها على المخاطر أو تتجنَّبها، وغالبًا ما تكون هناك نسبة مئوية لمعرفة مدى قدرة المؤسَّسة على التعامل مع المخاطر.

 

تجميعها معًا: نموذج RARA

وتبين المقارنة بين الشكلين 1 و2 أن تقبل المخاطر وموقف المخاطرة يشتركان في مُدخلات مشتركة (الوضع وأهدافه)، وأيضًا تكون النتائج مشتركةً (تحديد عتبات المخاطر)؛ لذلك، فمن الممكن دمج المعروضين في نموذج واحد، يوضح العلاقة بين الرغبة في المخاطرة والموقف منها؛ ونُسمي هذا نموذج RARA (الشكل 3).

الشكل 3 – نموذج الرغبة في المخاطرة – موقف المخاطرة (RARA)

 

يُشير نموذج RARA إلى كيفيّة ممارسة السيطرة على تحديد عتبات المخاطر، وذلك للتأكد من أنها مناسبة في تحديد موقف معين، مع مراعاة تأثير تفضيل المخاطر الفردية، وكذلك ثقافة المخاطر التنظيمية، والتأكُّد من أن عتبات المخاطر لا تتجاوز قدرتنا على المخاطرة.

لقد رأينا بالفعل أن التأثيرات على الرغبة في المخاطرة داخلية، وبالتالي لا يمكن تعديلها أو قياسها بسهولة، ومع ذلك، فإنَّ موقف المخاطرة هو الخيار الرئيس، ومن الممكن اختيار موقف مخاطرة مختلف باستخدام نهْج Six A. ونتيجة لذلك، توفر القدرة على اختيار موقف مخاطر مختلف في موقف معين نقطة تحكم في نموذج RARA. ويمكننا الآن اتباع نهج من أربع خطوات لتحديد عتبات المخاطر المناسبة، على النحو التالي:

* الخطوة الأولى: غير مُدارة
أولًا، نضع عتبات المخاطر بشكل حدْسي دون أي تدخل أو تعديل واعٍ. وسيؤدِّي ذلك إلى عتبات مخاطر تعكس الرغبة الداخلية في المخاطرة. ومع ذلك، فنظرًا لأن جميع العوامل التي تؤثِّر على الرغبة في المخاطرة داخلية ولا يمكن تعديلها، فقد تكون عتبات المخاطر الناتجة غير مناسبة؛ لأن عتبات المخاطر الأولية هذه يتم تعيينها باستخدام “الشعور الغريزي“، وعليه يمكن استبعاد تأثير موقف المخاطرة المختار في هذه المرحلة.

* الخطوة الثانية: مقيدة
وتتم من خلالها مراجعة عتبات المخاطر الأوليَّة في ضَوْء ميول المخاطر الفردية لصانعي القرار، وكذلك النَّظر في ثقافة المخاطر التنظيميَّة.
بالإشارة إلى الشكل 3، نلحظ أن هذين هما التأثيران الرئيسان على الرغبة في المخاطرة؛ لذلك يتبين من خلال النظر إليهما بشكل صريح، أن التعبير عن رغبتنا الأساسية في المخاطرة قد يؤدِّي هذا إلى تعديل عتبات المخاطر.

* الخطوة الثالثة: مراجعة وتحقق
في هذه المرحلة، يجب أن نستعرض عتبات المخاطر مقابل القدرة على المخاطرة لتحديد ما إذا كانت مناسبة. وإذا لم يكن كذلك، فإن بعض التدخل مطلوب.

* الخطوة الرابعة: اطلاع
ويتم اتخاذ الخطوة الأخيرة إذا كانت الخطوة 3 تشير إلى الحاجة إلى تعديل عتبات المخاطر. ويترتب على هذا الاستفادة من قدرتنا على اختيار موقف مخاطرة مختلف، ونستخدمه كنقطة تحكُّم نشطة ومتعمدة في العملية. من خلال تغيير موقفنا من المخاطرة، ويمكننا التأثير على الاختيار النهائي لعتبات المخاطر لإنتاج شيء أكثر ملاءمة.
وبالتالي، توفِّر لنا هذه العملية البسيطة المكوَّنة من أربع خطوات طريقةً بسيطةً وعملية لتحديد عتبات المخاطر عند مستوى يمكِّننا من تحمُّل المخاطر الصحيحة بأمانٍ.

 

  • الرغبة في المخاطرة مهمة للغاية، حيث إنه موضوع مهم بالنسبة لنا لكي نفهمه؛ وذلك لأن رغبتنا في المخاطرة تقودنا إلى الطريقة التي نجيب بها على السؤال المهم: “ما مقدار المخاطرة…؟”. ويتضح أن الرغبة في المخاطرة هي ميلٌ داخليٌّ، غير مرئي، ومن المستحيل قياسه؛ لذلك، نحتاج إلى الاستعانة بوكيل خارجي للسماح بالتعبير عن الرغبة في المخاطرة، وهذا هو دوْر عتبات المخاطر.

ولسوء الطالع، فإن الطبيعة الداخلية لتقبل المخاطر تعني أيضًا أنه إذا تركت دون إدارة، فقد يؤدي ذلك إلى تحديد عتبات مخاطر غير مناسبة، وهذا بدوره يؤدي إلى تحمُّل الكثير أو القليل من المخاطر. ونتيجة لذلك، فإننا بحاجة لطريقة مبتكرة وجديدة لتعديل عتبات المخاطر التي تم تعيِّينُها بشكل حدْسي باستخدام الرغبة في المخاطرة.

والتدخل يكون ممكنًا عن طريق اختيار موقف مخاطرة مناسب، ويسمح لنا بتعديل عتبات المخاطر الأوليَّة، ويخفِّف تأثير الرغبة في المخاطرة غير المُدارة.

يجمع نموذج RARA الموصوف في هذه الورقة بين كلٍّ من الرغبة في المخاطرة وموقف المخاطرة، مما يوفِّر طريقة عمليَّة لصانعي القرار على جميع المستويات للإجابة على أسئلة مثل هذه: “ما مقدار المخاطرة …؟”، وما مقدار اتخاذ المخاطر الصحيحة بأمان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *