تدريب وحلقات نقاش

قانون باركنسون

كتب المؤلف البريطاني نورثكوت باركنسون مقالًا في إحدى المجلات يتنقد فيه بسخرية الوقت الطويل الذي تستغرقه المشاريع الحكومية كي يتم تنفيذها، وجاء بعبارة هامة وهي

العمل يتوسع لملء الفترة الزمنية المحددة لإنجازه“، والمقصود بتلك العبارة أن الأشخاص يقومون بضبط طريقة عملهم وإخضاع طاقتهم وفقًا لعبء العمل ومقدار الوقت المحدد لإنهاء العمل.

وبدأ الناس بتداول تلك العبارة حتى أصبحت قانونًا بعد ذلك، وألف باركنسون كتابًا عن هذا المفهوم بعنوان قانون باركنسون.. السعي وراء التقدم.

ونجد أن الكثير منّا يعاني من وجود قانون باركنسون في حياته المهنية، فكلما كان الوقت لإنجاز المهمة كبيرًا، صرنا نتباطأ ونؤجل إنجاز المهمة وتهتم بأمور فرعية أخرى حتى تأتي الدقائق الأخيرة ويتم إنجاز المهمة دون كفاءة.

ويمكننا الاستفادة من هذا القانون وذلك من خلال تقليل المدد الزمنية للمهام، فالمهمة التي تعطيها أسبوعًا لإنجازها يمكنك إعطائها ثلاثة أو أربعة أيام وسوف يستطيع الشخص العمل عليها وإنجازها في الوقت المحدد متجنبًا التسويف والمماطلة والتركيز بشدة على إتمام المهمة.

نلاحظ أن باركنسون كان يستهدف بهذا القانون عدم كفاءة بيروقراطية الخدمة المدنية البريطانية، فقد وجد أن العاملين مشغولون طوال اليوم، لكن إنجازهم قليل جدًا، وتم تطبيق هذا القانون وإثباته بعد ذلك مع العديد من الدراسات.

قانون باركنسون في إدارة المشاريع
بإسقاط قانون باركنسون على إدارة المشاريع، نرى أنه إذا كان لديك أسبوعان من أجل إنجاز مهمة، فسوف تنجزها في الأسبوعين، وإذا تم إعطاؤك مدة خمسة أيام ستقوم بالانتهاء من المهمة نفسها في تلك المدة.
وقد تتم المبالغة في تقدير المدة الزمنية للمهام بسبب الخوف من وقوع الخطأ لكن بالتأكيد سيقع الخطأ (قانون مورفي)، وربما للجهل بمقدار المدة المحددة للمهمة.

ومن الملاحظ أن تحديد الوقت المناسب والمعقول لكل مهمة يساهم في إتمامها بالصورة الأفضل دون مماطلة أو تأجيل، فالبعض يرى أن الضغوطات تولد طاقة مضاعفة ومستوى نشاط أعلى تتمكن من خلاله إنجاز المهام سريعًا، ويرى آخرون أن الحافز والمكافأة يساعدا أيضًا على رفع مستوى إنتاجية العاملين.

مثال على قانون باركنسون
لقد أعطى باركنسون مثالا على سيدة عجوز تقضي يومًا كاملًا من أجل كتابة رسالة بريدية لابنة أختها، فسوف تبحث لمدة ساعة عن أوراق لكتابة الرسالة، وتبحث مدة أخرى عن نظارة الكتابة، ثم تحاول البحث عن العنوان، وتأخذ ساعات أخرى في الكتابة وفي نهاية اليوم تذهب لوضعها في الصندوق، لقد استغرق الأمر منها يومًا كاملًا في حين أن هذا الأمر يمكن إنهاؤه في دقائق معدودة.

ومن الأمثلة الشائعة على هذا القانون ما يقوم به بعض الطلاب؛ فنراهم يسوفون ويماطلون في المذاكرة ومع اقتراب موعد الامتحان وقبل يومين -مثلا- ينجز كل ما قام بتسويفه وعدم مراجعته، وهذه الظاهرة تسمى بـ متلازمة الطالب فالكثير من الطلاب يؤخرون أداء مهامهم حتى قبل الموعد النهائي مباشرة.
وهذه هي النتيجة الطبيعية لقانون باركنسون: “إذا انتظرت حتى اللحظة الأخيرة، فلن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة للقيام بذلك”.

وقد قامت إحدى شركات البرمجيات بجعل أيام العمل في فصل الصيف أربعة أيام وتكون ساعات العمل ثماني ساعات، وبدأت بتطبيق تلك الاستراتيجية عام 2007 ومازالوا يعملون بها.
فساعات العمل الأقل تسهم في تركيز العاملين -بشدة- على أداء مهامهم، فلا يهدروا أوقاتهم في أمور تافهة لا فائدة منها، إذا كان لديك عدد ساعات أقل فسوف تمتلك الحكمة والتفكير الصحيح لإنهاء المهمة في تلك الساعات.

الطرق الفعالة للتغلب على قانون باركنسون
هناك عدة طرق مفيدة للتغلب على قانون باركنسون وتجنب المماطلة ورفع مستوى الإنتاجية وهذه الطرق هي:

* تحديد قيمة المشروع وأهميته
من أجل أن تكون متحمسًا ولديك شجاعة لإنجاز مشروعك، لابد وأن تحدد القيمة من هذا المشروع وتكون لديك رؤية واضحة عن أهميته، فيمكنك رسم الصورة الأكبر ليس فقط نجاح المشروع وتحقيق الأهداف، لكن ما سوف تفعله بعد ذلك من أجل مواصلة تلك النجاحات، فالبعض يماطل لأنهم لا يعرفون ماذا سيفعلوا بعد النجاح.

* تحديد المواعيد النهائية
لكل مشروع جدول زمني محدد وموعد نهائي للتسليم، لكن من الأفضل أن تضع لكل مرحلة موعدًا نهائيًا، فمثلا أرغب في تأليف كتاب يضم مجموعة من القصص القصيرة وأضع وقت محدد للانتهاء منه، لكن ينبغي أن أقوم بوضع ميعاد محدد لإنهاء كل قصة.

* العمل في فترات زمنية
من أجل الحفاظ على تركيز أعلى طوال اليوم يمكنك العمل على فترات زمنية، ويكون ذلك من خلال تطبيق تقنية بومودورور (العمل لمدة 25 دقيقة وأخذ راحة لمدة 5 دقائق)، فأخذ فترات راحة يجعل عقلك بتركيز أفضل ويسهم في تجديد طاقتك ونشاطك.

* تتبع الوقت
يمكنك الاستعانة ببعض التطبيقات المتوفرة التي تساعدك على معرفة مقدار الوقت الذي يستغرقه مشروعك، وهذه التطبيقات تمنحك معرفة كيف تقضي وقتك وكم من الوقت يتم هدره في التسويف والمماطلة.
ويمكنك استشارة الخبراء في ذلك لتأكد من كونك تدير وقتك بطريقة صحيحة أم لا.

* استخدام تقنيات لإدارة الوقت
ومن أفضل تقنيات إدارة الوقت هي timeboxing وهي تقوم على تخصيص مدة زمنية ثابتة كحد أقصى لمهمة محددة بهدف تحديد مقدار الوقت المخصص لكل لهذه المهمة والتحكم فيها.

* تحديد المهام والمسئوليات
لتجنب إضاعة الوقت واتباع المماطلة والتسويف لابد من تحديد المهام والمسئوليات وإعطاء كل شخص المهام التي تناسبه من أجل إنجازها سريعًا.

* اجعل هدفك مرئيًا
كلما كان هدفك أمامك واصلت الاستمرار في بذل الجهد والعمل من أجل تحقيق هذا الهدف، قم بلصقه على الحائط جانب مكتبك، حتى لا تشتت تركيزك في أمور فرعية وتنسى هدفك الأساسي.

* وضوح الأهداف
يجب أن تكون أهدافك في العمل واضحة وتُطلع الجميع عليها من أجل التكاتف لتحقيقها بنجاح، فإشراك العاملين في هدفك يجعلهم شركاء ويسعون لتحقيقه ويتجنبون إضاعة الوقت.

* تحلى بالقوة والتحدي
حاول أن تتحدى نفسك وسوف تنجح فيمكنك أن تلزم نفسك بإنهاء المهمة بصورة أسرع بنسبة 10% وبنفس الجودة، ومع نجاحك حاول أن ترفع نسبة السرعة إلى 15%، ستكتشف نفسك من جديد وتجد أن لديك مهارات كانت بحاجة إلى توظيفها بشكل صحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *