تدريب وحلقات نقاش

فن القيادة الناجحة.. مهارة سرد القصص

تتطلب القيادة الناجحة داخل المؤسسات وجود عدة مهارات أساسية، تلك المهارات تسهم بصورة كبيرة في نجاح الأعمال التجارية وتحقيق المؤسسات لأهدافها المنشودة، وفي مقالنا هذا سوف نناقش معًا مهارة هامة للغاية يتحلى بها القادة الناجحين ويحث عليها العديد من الكتّاب والخبراء في مجال المال والأعمال وهذه المهارة هي سرد القصص التجارية.

 

“إنك تستطيع الحصول على أفضل التقنيات وأفضل نموذج للعمل، بشرط أن يكون لديك من يسرد القصص التجارية بصورة مذهلة وجذابة”

تلك هي العبارة التي قالها جيف بيزوس رجل الأعمال الأمريكي ومؤسس شركة أمازون ومديرها التنفيذي، لكن ماذا تعني مهارة سرد القصص؟

في حقيقة الأمر تعتبر سرد القصص التجارية تسلسلًا استراتيجيًا للحقائق والعواطف، والخطأ الشائع هو محاولة تطبيق القصة وما تتحدث عنه، لكن الأمر ليس كذلك لأن الهدف من سرد القصة أخذ العبرة منها ومحاولة اكتساب الخبرات من تسلسل أحداثها وتجنب الجوانب السلبية فيها.

ونجد أن الراوي (الشخص الذي لديه مهارة سرد القصص) يبدأ بقول الحقائق بشكل استراتيجي وتسلسل جذاب، فنراه يركز على إثارة عواطف المستمعين (القوى العاملة) ومشاعرهم للتأثير عليهم، فيحاول أن يخلق مشاعر كالأمل أو الحزن، الدافع أو الشك، وهذا الأمر يحمل بعض الصعوبة لأن القصص التجارية هي قصصٌ حقيقية لا خيال فيها لذا ينبغي على الراوي أن يتمتع بمهارة السرد حتى يمكنه جذب انتباه مستمعيه والتأثير فيهم.

ولتوضيح مهارة سرد القصص بصورة أفضل يمكننا طرح المثال التالي:
لقد أراد أحد رجال الأعمال تقديم عرض تقديمي مليء بالبيانات من أجل تنمية السياحة، فأنشأ منصة تستخدم تلك البيانات لتحسين تجارب العملاء، وبذلك يتمكن العاملون في تنمية السياحة من زيادة الأرباح، لكن كان هناك مشكلة أساسية وهي أن رجل الأعمال هذا لم يكن لديه سوى عشر دقائق لإقناع الجمهور باستخدام تلك المنصة.
لقد كان العرض التقديمي يشتمل على 32 شريحة  PowerPoint كلها تشتمل على بيانات كثيرة ومع بدء العرض فإما أن يكون عرض الشرائح بصورة سريعة جدًا، أو طرح المعلومات دون أي توضيح.
وكان الحل الأمثل في تلك الحالة هو اختيار أحد العملاء المهمين والتواصل معه، وبعد صياغة القصة ودمج المشاعر مع الحقائق تم الذهاب إليه، وكان السرد فعالا في التغلب على الشكوك وأدرك العميل تأثير المنصة، وبذلك تمكن رجل الأعمال من كسب ثقة عملائه والتغلب على منافسيه.

أهمية مهارة سرد القصص
من أجل نجاح المؤسسات وتطوير أعمالها لابد من بناء القيادة الناجحة والتي تحتاج إلى تمتع القادة بمهارة سرد القصص وذلك لعدة أسباب وهي:

أولًا: في بيئة العمل التنافسية من أفضل الطرق الفعالة للتميز العسي إلى إظهار شخصيتك ومدى كفاءتك وتوافقك مع رؤية المؤسسة وسياستها.
ويوفر لك سرد القصص هذه الميزة فمن خلال تمتعك بالإمكانات اللازمة لسرد القصص بفاعلية والقدرة على التسلسل الاستراتيجي بين الحقائق والعاطفة، تستطيع أن تجذب الآخرين لك وتقنعهم بأنك الشخص الأنسب لشغل هذه الوظيفة.
وفي الشركات نجد مرور المرشحين للوظائف بعدة اختبارات وكانت المنافسة قوية بين الجميع، وعند سؤال صانعي القرار عن سبب اختيارهم للبعض دون الآخر، أشاروا إلى تمتعهم بإمكانية سرد القصص التجارية بصورة جذابة بجانب مهارات أخرى كانت لديهم.

ثانيًا: يسهم سرد القصص في جعل القادة أكثر قوة وتميز، كما يساعدهم على القيادة الحكيمة، فإذا كنت قائد لديك العديد من الخبرات والتجارب وتصيغ القصص ببراعة وتسردها بكفاءة فإن ذلك سوف يساعد الآخرين على فهمك وبالتالي تتوفر الثقة بينكم ويكون هناك تواصلًا فعالًا.

ثالثًا: إن سرد القصص مهارة أساسية لتحفيز الفريق وتشجيعه على العمل، فهو من الوسائل الفعالة التي تحث على نقل الدروس والتجارب واكتساب الخبرات وزرع القيم داخل العاملين.
لقد قامت إحدى العاملين في مستشفى إلينوي بصياغة قصة تهدف من خلالها إلى الحصول على رعاية أفضل للمرضى، فبدأت بالحديث عن القطعة التي كُسرت في أحد الأجهزة ومدى تأثير ذلك في تأخر تشخيص حالة المريض، لقد أرادت أن يُبلّغ أي شخص عن الأشياء المكسورة التي تسبب عطلا في الأجهزة، حتى يتم تصليحه سريعًا دون ترك المريض يعاني.

 

الخصائص الأساسية للقصص الأكثر فاعلية وتأثير

لا يستطيع أن ينكر أحد أهمية سرد القصص كعنصر أساسي للتنمية البشرية، وتشجيع المؤسسات على التطوير، وتحفيز العاملين على التكيف مع التغيير، فسرد القصص وكشف التجارب السابقة يسهم في بناء الثقة والمصداقية مع فريقك، كما يشجع فريقك على مواصلة العمل للارتقاء بأنفسهم ومؤسستهم.

وهناك عدة عناصر أساسية تشترك جميعها لجعل القصص ذات تأثير فعال وهذه العناصر هي:

 

* تحديد الجمهور المراد استهدافه
ينبغي في البداية أن تقوم بتحديد الجمهور الذي سوف تسرد قصصك عليه، فمعرفة الجمهور وما يقلقه وما يحفزه وما هي أهم مخاوفه، يجعلك تسرد القصص بشكل فعال وجذاب لهذا النوع من الجمهور، كما يمكنك من استخدام اللغة المؤثرة والواعية.

 

لقد ارتكب أحد القادة خطأ كبيرًا حين قام بإعلان الأهداف والنتائج الرئيسية على جميع الموظفين وهم 10000 موظف، فهذا الجمهور العظيم شمل المدراء وأصحاب المصلحة والموظفين، فمنهم من كان على دراية بالأهداف والنتائج ومنهم لا يعرف شيئًا، لذا أصبح الجمهور قلقًا بشأن ذلك الإعلان.
وبالطبع النهج الأفضل الذي كان ينبغي اتباعه هو العمل على صياغة مجموعة متنوعة ومختلفة من الإعلانات تشتمل على التساؤلات حول الأهداف والنتائج المتوقعة لكل مجموعة أو فريق داخل المؤسسة وليس جميع العاملين.

 

* وضع سياق محدد للقصة
كان يجب أن يكون سياق القصة محددًا ومتوافقًا، فالأهداف والنتائج الرئيسية التي تم إعلانها بدت وكأنها عشوائية وغير متوافقة مع رؤية المؤسسة وسياستها، لذا لم يستطع الأفراد فهم التغييرات وأسبابها، وكان يمكنهم طرح إعلان يشتمل على الآتي:
– تحديد الأهداف القابلة للتحقق وتسفر عن نتائج إيجابية مثمرة

– يتطلب التحول إلى الرقمنة العديد من الإمكانات والخبرات لتحقيق الأهداف بنجاح

– الاستثمار في عدد من المشاريع يسهم في زيادة القدرة على الرقمنة

– لابد من وضع آليات جديدة للعمل تتناسب مع الأهداف المراد تحقيقها من الرقمنة

 

* احتواء القصة على الطابع الإنساني

الحكايات والتجارب الشخصية تسهم بشكل ملحوظ في التأثير على الحالة المزاجية لدى المستمعين، وهذا يساعد على بناء الثقة مع جمهورك وشعورهم بالأمان تجاهك، فالقيادي الناجح يمكنه التحدث عن نفسه وعن بعض تجاربه الشخصية الخاصة حتى يضمن ولاء فريقه وتوثيق الصلة معهم.
فالمدراء التنفيذيون الذين قاموا بإعلان الأهداف والنتائج الرئيسية OKRs يبدؤون القصة بتجارب شخصية حدثت لهم فيتحدث أحدهم ويقول: أستمتع بممارسة القفز بالمظلات، قد يكون الأمر غريبًا لكن الفائدة من ورائه أنه ينبغي عليّ أن أوازن بين العمل والحياة الشخصية، وقد وضعت لنفسي هدفًا آخر وهو القفز دون إصابات وهذا ما حققته، لذا يجب أن تكون أهدافنا واضحة، وآمل أن أحقق ذلك لشركتنا من خلال إطار عمل OKRs الجديد.

 

* جعل القصة ذات اتجاه عملي

ينبغي أن تخص الجمهور بقصتك فالخصوصية في تقديم النصائح والتوجيه تساعدهم على اتخاذ الإجراءات الصحيحة.
فالمدراء المكلفون بالإعلان عن OKR قاموا بوصفها بطريقة غير مفيدة وتخلو من الوضوح: “سوف تتغير طريقة عملنا، ونضع رؤية جديدة لنجاح الشركة، وسوف نتقرب للعميل”.
فهذه الأمور وإن تبدو صحيحة لكنهم لم يحاولوا إفهام الجمهور ما هي التغييرات، لذا كان النهج الأفضل والأكثر فعالية أن يجعلوا تركيزهم على التغييرات التي يقوم الجمهور بإجرائها حتى يتمكنوا من تنفيذها بنجاح:

– ستكون هناك خارطة طريق بأهم التغييرات

– سيتم وضع تواريخ محددة لقياس مدى التقدم الذي نحرزه

– سيتولى الفرق مسئولية تطوير الخطط لتحقيق الأهداف بنجاح

– سنقوم بتقديم دورات تدريبية لدعم الفرق
– سنوفر وسائل تواصل فعال من أجل مساعدة الجميع

 

* التواضع والبساطة
ينبغي أن تعبر قصتك عن الواقع بالفعل، فلا تنكر إخفاقاتك وتمجد ذاتك وتعظم من إنجازاتك، لأن الخطأ وارد والنجاح لا يأتي إلا بعد الوقوع في أخطاء والتعلم منها وعدم تكرارها.

لذا عليك أن تظهر هذا أمام جمهورك من أجل بناء الثقة وترسيخ المصداقية، قم بإخبارهم أن نجاحك بمساعدات ودعمٍ من الآخرين، وأظهر لهم أنك مازالت تتعلم وتستفيد حتى مما هو أقل منك في الدرجات الوظيفية.

وفي حالة إعلان OKRs قم بتذكيرهم بما فعلته من خطأ حين اتخذت خطوات التغيير بصورة سريعة جدًا مما أدى إلى فشل المبادرة، وأشرح لهم ما تعلمته من تلك التجربة وأنك مازالت تحتاج إلى اقتراحاتهم ودعمهم لضمان نجاح الأهداف والنتائج الرئيسية.

 

وفي النهاية ننصح بتعلم مهارة سرد القصص، قد يكون الأمر صعبًا لكن بالممارسة سوف تمتلك القدرة على السرد الفعال للقصص التجارية، وتستطيع التأثير على فريقك ومؤسستك وتحقق طموحاتك وأهدافك وترتقي دومًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *