رقمنة وذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي وإدارة المشاريع

في البداية يمكننا تعريف مصطلح الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence وهو -ببساطة- قدرة الجهاز على الإدراك والاستنتاج والتصرف، أو هو قدرة الحاسب الآلي أو أي جهاز آخر على إنجاز بعض الأعمال التي تتطلب نوع من الذكاء.

وقد نجد في المستقبل القريب قيام المدير التنفيذي لشركة اتصالات باستخدام تطبيق على الهاتف، يُمكّنه من معرفة حالة المشروع والنسبة المئوية للفوائد المتوقعة، كما يستطيع من خلال هذا التطبيق توفير مواثيق المشروع ومعرفة مستوى معنويات كل عضو داخل الفريق ومشاركة أصحاب المصلحة.
وعند إطلاق منافس كبير علامة تجارية جديدة، سوف تستطيع الشركة من خلال الذكاء الاصطناعي عمل تعديلات وفقًا للمعايير التي اختارها مدير المشروع وفريق المشروع في البداية، وسيقوم التطبيق بإبلاغ الرئيس التنفيذي بكل التغييرات الواجب إحداثها، والمخاطر المحتملة، بالإضافة إلى القرارات الهامة التي ينبغي اتخاذها.
وعندما سيكون مدير المشروع متأخرًا نوعًا ما، سيعمل التطبيق على إعطائه بعض التوصيات والتقنيات التي ينبغي تطبيقها من قِبل الفريق والتي ستكون سببًا في تدفق المشروع.
وخلال الاجتماع سيتم مناقشة الحلول الممكنة والاتفاق على الأنسب منها من أجل إحراز التقدم، وسيتم تحديث خطة المشروع وإرسال رسائل لذوي العلاقة ( أصحاب المصلحة) Stakeholdersالرئيسيين وأعضاء الفريق بأهم التغييرات والنتائج المتوقعة.
ونجد أن بفضل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تمكنت الشركة من السيطرة على نطاق المشروع وتوجيه المشروع إلى طريق النجاح من جديد.

 

وفي الوقت الحاضر إدارة المشاريع ليست بالأمر السهل ولا تتم بسهولة، لذا ينبغي على المؤسسات أن تستثمر في إدارة المشاريع حتى تتمكن من إحراز المزيد من التقدم.

وتشير الدراسات إلى أنه يتم كل عام استثمار ما يقرب من 48 تريليون دولار في المشاريع، لكن وفقا لمجموعة Standish Group، فإن 35٪ فقط من المشاريع تعتبر ناجحة، وتفشل حوالي 65% بسبب هدر الموارد وعدم تحقيق الفوائد المطلوبة.
لذا يقوم الكثير من المتخصصين بتشجيع إجراء تحديثات في إدارة المشاريع، لأن سبب انخفاض معدل نجاح المشاريع يعود إلى ضعف التقنيات، فمعظم المؤسسات لا تزال تعمل بالأنظمة القديمة كاستخدام جداول البيانات والشرائح والتطبيقات الأخرى التي لم تتطور.
ورغم وجود تحسن في تطبيقات إدارة محفظة المشاريع، إلا أنها بحاجة -أيضًا- إلى قدرات التخطيط والتعاون الجماعي والأتمتة والميزات “الذكية”.

وقد يكون لتطبيق الذكاء الاصطناعي على إدارة المشاريع فوائد كثيرة كتحسين نسبة نجاح المشاريع بنسبة 25%، لكن السؤال الأهم هو متى يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي بفعالية على إدارة المشاريع؟

وتؤكد شركة جارتنر للأبحاث والاستشارات التكنولوجية أن التغيير قادم لا محالة، فتتوقع أنه بحلول عام 2030 سوف يتم تشغيل 80% من مهام إدارة المشاريع بواسطة الذكاء الاصطناعي بدعم من التعلم الآلي Machine learning ومعالجة اللغات الطبيعية Natural Language Processing.
ونجد بعض الباحثين مثل Paul Boudreau في كتابه “تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي على إدارة المشاريع” قيامه بتطوير خوارزميات لتطبيق الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في عالم إدارة المشاريع، وعند استخدام تلك الأدوات والخوارزميات على نطاق كبير سوف نشهد تغييرات جذرية.

 

تُعد تلك التطورات التكنولوجية القادمة فرصة عظيمة وكبيرة لكل أصحاب المؤسسات وقادة المشاريع الأكثر استعدادًا، وسوف يحصدون العديد من النتائج الإيجابية كلما كانوا على أتم استعداد لهذه التطورات، فكل جوانب إدارة المشروع سوف تتأثر.

أولًا: ينبغي أن تقوم المؤسسات بتحديد الأولويات واختيار المشاريع التي ستحقق لها قيمة أكبر، وعندما يتم توفير البيانات الصحيحة، يمكن للتعلم الآلي ML اكتشاف النماذج التي لا يمكن فهمها بوسائل أخرى، واستخدام التعلم الآلي في تحديد الأولويات سوف يؤدي إلى:

  • تحديد أسرع للمشاريع الجاهزة للبدء والتي لديها الأساسيات الصحيحة
  • اختيار المشاريع التي لديها فرص أكبر للنجاح وتحقيق أعلى الفوائد
  • تحقيق التوازن في محفظة المشروع ومعرفة المخاطر المحتملة
  • القضاء على التحيزات البشرية في عملية صنع القرار

 

 

ثانيًا: تعمل الشركات الناشئة في مجال تحليل البيانات والأتمتة على مساعدة المؤسسات في تحسين دور مكتب إدارة المشاريع PMO (قسم داخل المؤسسة يقوم بدعم فريق عمل المشروع)، ومن أشهر الحالات استخدام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأحدث التقنيات من أجل الحفاظ على المعلومات حول كل مشروع من مشاريع القطاع العام الفرنسي.
وهذه الأدوات الذكية سوف تسهم في إحداث تغيير جذري في أساليب العمل لدى مكاتب إدارة المشاريع عن طريق:

  • رصد أفضل لحالة المشروع ومدى تقدمه
  • القدرة على توقع المشاكل المحتملة ومعالجة بعض المشاكل البسيطة بصورة تلقائية
  • الإعداد الآلي وتوزيع تقارير المشروع وجمع الملاحظات
  • التطور في اختيار الطرق الأفضل لإدارة المشاريع
  • أتمتة وظائف الدعم عبر المساعدين الافتراضيين مثل تحديثات الحالة وتقييم المخاطر وتحليل أصحاب المصلحة

 

ثالثًا: تعمل التطبيقات الجديدة والذكاء الاصطناعي بشكل عام على مساعدة قادة المشاريع في توقع المخاطر، كما تساعد تلك الأدوات الحديثة في اقتراح إجراءات مخففة، وفي القريب العاجل ستكون لديها القدرة على تعديل الخطط تلقائيًا لتجنب بعض أنواع المخاطر.
كما تعمل هذه الأساليب الجديدة على التخطيط وإعداد التقارير، ونجد أن التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية سوف يؤدي إلى:

  • تحسين نطاق المشروع.
  • اكتشاف المشكلات المحتملة مثل الغموض والتكرارات والتناقضات والتعقيدات.
  • تسهيل عمليات الجدولة وصياغة الخطط التفصيلية ومتطلبات الموارد
  • إعداد تقارير لحالة المشروع، والفوائد المحققة، والانزلاق المحتمل، ومعنويات الفريق بطريقة واضحة وموضوعية.

 

رابعًا: لقد غيّرت ChatGPT (روبوت محادثة بالذكاء الاصطناعي) فهم العالم لكيفية قيام الذكاء الاصطناعي بتحليل مجموعات ضخمة من البيانات وتوليد رؤى جديدة وفورية بنص عادي.
ففي إدارة المشاريع تستخدم تلك الأدوات في تشغيل الروبوتات أو المساعد الافتراضي، وقد أعلنت شركة Oracle عن مساعد رقمي جديد أو ربوت لإدارة المشاريع والذي يعمل على توفير تحديثات فورية لبيانات المشروع.

فالمساعد الرقمي يتعلم من المدخلات وبيانات المشروع والسياق، فمثلا عند طلب عمل جدولة لطلاء الجدار في خلال أسبوع سوف يجيب المساعد وفقا للمدخلات: أن المهمة ستحتاج لأسبوعين وليس أسبوعًا كما طلبت، ويقدم سؤال: هل يجب عليّ التعديل؟

 

خامسًا: يعتبر الاختبار من المهام الرئيسية في معظم المشاريع، ويحتاج مديرو المشاريع إلى إجراء الاختبار في وقت مبكر من أجل تصحيح الأخطاء، وقريبًا سوف نجد أنظمة جديدة وعلى نطاق واسع تساعد في إجراء الاختبار بسهولة، فمثلا مشروع Crossrail في المملكة المتحدة وهو عبارة عن خط سكة حديد به محطات جديدة وبنية تحتية جديدة أيضًا بالإضافة إلى القطارات الجديدة، ويحتاج كل عنصر في هذا المشروع للاختبار قبل التشغيل لضمان السلامة.
وهذا الأمر تتطلب العديد من الأجهزة والبرامج، والتي لا تقدر بثمن وتقول مهندسة النظم  أليساندرا شول ستيرنبرغ: “تمت كتابة مكتبة واسعة لأتمتة النظام، والتي تمكن من تحقيق عمليات الإعداد المعقدة، وإجراء الفحوصات الصحية بدقة، واختبار التحمل على مدى فترات طويلة وتنفيذ اختبارات ذات طبيعة متكررة.”
ستساعد البرامج الحديثة والنظم الآلية للمشاريع في الكشف عن العيوب وعمليات التصحيح الذاتي وسوف يؤدي ذلك إلى الحد من الوقت المستغرق في أنشطة الاختبار المرهقة وتقديم حلول سهلة وخالية من الأخطاء.

 

سادسًا: قد تبدو أتمتة العديد من مهام مديري المشاريع مخيفة، لكن القادة الناجحين سوف يتعلمون كيفية استخدام تلك الأدوات والأنظمة الجديدة ويحاولون التكيف معها للاستفادة من كل التقنيات الجديدة وتحقيق النتائج الإيجابية في مشاريعهم.
وينبغي على مديري المشاريع القيام بتنمية مهاراتهم الشخصية وتطوير القدرات القيادية واكتساب خبرات تجارية، والتي تمكنهم من تحقيق النتائج الإيجابية المتوقعة.
وبالفعل تقوم بعض المؤسسات بإدخال الذكاء الاصطناعي في برامج تعليم وشهادات إدارة المشاريع الخاصة بها، حيث تقوم جامعة نورث إيسترن بدمج الذكاء الاصطناعي في مناهجها الدراسية، وتعليم مديري المشاريع كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة مجموعات البيانات وتحسينها وتحسين قيمة الاستثمار من المشاريع.

تطبيق الذكاء الاصطناعي في المؤسسات

عندما تصبح جميع أدوات الذكاء الاصطناعي جاهزة للمؤسسات، هناك أمر ينبغي التأكد منه وهو أن المؤسسات نفسها جاهزة لتلك الأدوات، ينبغي إعداد الموظفين وتدريبهم بشكل جيد على استخدام تلك الأدوات والتعامل معها بكفاءة واحتراف.

والذكاء الاصطناعي لإدارة المشاريع يحتاج للعديد من البيانات المتعلقة بالمشروع، فالمؤسسات -غالبًا- تحتفظ بجميع بيانات المشروع وتخزنها في مستندات كثيرة ومختلفة، وأكثر الوقت المستغرق يكون من أجل إعداد خوارزميات التعلم الآلي للاستخدام على جمع البيانات وتنظيفها والتي تأخذ البيانات الخام وغير المهيكلة وتحولها إلى بيانات منظمة، فتوفير البيانات وإدارتها بشكل صحيح يمكن المؤسسات من التحول للذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى استعداد العاملين في المؤسسة لهذا التحول حتى يتم بنجاح وتتقدم أعمال المؤسسة ومشاريعها، ومن أجل تكيف العاملين مع الوضع الجديد لابد من التواصل معهم لمعرفة ما يحتاجونه من مهارات تكنولوجية، وإعداد فرق ذات خبرات عالية حتى تتمكن من التعامل مع الأنظمة الجديدة باحترافية.

وإذا كنت تفكر في تطبيق الذكاء الاصطناعي على مشاريعك، فسوف نقدم لك بعض التساؤلات التي تساعدك في تقييم قرارك:

  • هل أنت مستعد لقضاء بعض الوقت في إجراء جرد دقيق لجميع مشاريعك؟
  • هل يمكنك استثمار عدة موارد لعدة أشهر لجمع بيانات مشروعك وتنظيفها وهيكلتها؟
  • هل قررت التخلي عن عاداتك القديمة في إدارة المشاريع كتقارير التقدم الشهرية؟
  • هل أنت مستعد للاستثمار في تدريب فريق إدارة المشاريع الخاص بك على هذه التكنولوجيا الجديدة؟
  • هل هم على استعداد للخروج من مناطق الراحة التقليدية الخاصة بهم وتغيير جذري في كيفية إدارة مشاريعهم؟
  • هل مؤسستك مستعدة لقبول واعتماد تقنية جديدة؟
  • هل يمتلك الراعي التنفيذي للمشاريع القدرة والمصداقية لقيادة هذا التحول في مؤسستك؟
  • هل كبار القادة على استعداد للانتظار عدة أشهر، للبدء في رؤية فوائد الأتمتة؟

إذا كانت إجابتك بـ نعم، فيمكنك البدء في هذا التحول الرائد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *