تطوير شخصي ومهني

التخريب الذاتي وطرق مكافحته

لقد تحدث علم نفس -بشكل مستفيض- عن التخريب الذاتي self-sabotage أو تدمير الذات، ونجد أن هذا المصطلح الهدف منه -بشكل عام- جعل الإنسان داخل منطقة الراحة، والعودة إلى الرفاهية المطلقة التي لا تحتوي على مسئوليات أو واجبات، ويظهر ذلك من خلال الاتصاف ببعض سمات أو سلوكيات سلبية وسيئة يقوم الشخص باتباعها.

يحاول الشخص تخريب ذاته وتدمير نفسه من خلال طرح بعض الأفكار السيئة والقوقعة داخل حاضر مظلم، لكنه -دائمًا- ما يلقي باللوم على مَن حوله وعلى الظروف المحيطة به، ولا يرى نفسه سببًا في جعل الحياة كئيبة.

والحقيقة أن معتقدات الشخص وأفعاله هي السبب الأساسي في خلق تلك السلوكيات وسيطرتها عليه، وعند اعترافه بخطأ تلك المعتقدات سوف يستطيع التخلص من هذه السلوكيات التي تسبب دمار النفس.
ومن هذه المعتقدات السلبية التي تدمرنا من الداخل اعتقاد الشخص بأنه لا يستحق أن يكون سعيدًا، وأنه غير محبوب، وأنه لا يستطيع الثقة في أي شخص آخر، ويرى الحياة متعبة وصعبة ومليئة بالأزمات، وغيرها من تلك المعتقدات.

وتلك المعتقدات السيئة لا تأتي من فراغ، وإنما ترجع إلى عدة أسباب مثل عدم احترام الذات، والإهمال وسوء المعاملة، فربما عانى الشخص في طفولته من بعض التعاملات الخاطئة ساهمت بشكل كبير في ظهور تلك المعتقدات.
ومن أكثر الأسباب الشائعة في ظهور المعتقدات السيئة لدى الأشخاص هي:

أولًا: بعض الأشخاص يعانون الخوف من اعتماد الآخرين عليهم بشدة ويكون سببًا في عدم نجاح العلاقات، فالطفل الوالد وهو الذي يتحمل مسئوليات ليست له على الإطلاق فبدلًا من أن يتم الاعتناء به من قِبل والديه يعيش هو دور الأب ويتحمل مسئولية أخوته -مثلا- ويكون لديه العديد من المهام التي عليه أن يؤديها وإلا عُوقب على عدم القيام بها.
وعلى الرغم من إيجابية جعل الطفل منذ صغره متحملًا بعض المسئولية، لكن المبالغة في ذلك يحدث ضررًا له عندما يكبر ويؤدي إلى تخريب ذاته، كما يمكن أن يجعله شخص مسيطر للغاية، ويرغب -دائمًا- في إدارة مشاعر مَن حوله والتحكم فيهم.

ثانيًا: ونجد أن انخفاض قيمة الذات تسبب لك عدم الشعور بأي نجاح تحققه، ويسيطر عليك الإحباط، فأنت دائم الشعور بأنك لا تستحق الأشياء الجيدة التي تحدث لك، قد يكون ذلك راجعًا لكثرة الانتقادات التي كانت توجه إليك في صغرك وتوبيخ أفعالك دائمًا.

ثالثًا: الخوف من تكوين علاقات مع المحيطين بك معتقدًا أنهم ليسوا مصدر ثقة أو أمان لك، وهذا الخوف انتقل إليك منذ صغرك واستمر معك، فسببه وجود أب أو أم لا يصلحا أن يكونا قدوة وأمان لأبنائهم، يمارسون عادات خاطئة ويتسمون بالإهمال وعدم الاهتمام بأطفالهم ورعايتهم، مما يؤدي إلى الشعور الشخص -دائمًا- بافتقاد الثقة في كل مَن حوله.

رابعًا: بعض النساء يشعرن بأنهن غير منجزات بالشكل المطلوب وأن هناك نساء أخريات أفضل منهن، فيحاولن دائمًا إخفاء ذلك خوفًا من أن يتم اكتشافهن، وبالتالي يخربن أنفسهن، فعلى جميع من يعتقد ذلك ويشعر بأنه ليس جيدًا بالشكل المطلوب، اعلم يقينًا أنك جيد وما تفعله من أشياء هي حسنة بالفعل فلا ينبغي التقليل من نفسك والخوف من أن يكشفك أحدهم لأنك لا تدري ماذا يفعل الآخرون!

خامسًا: من الأشياء التي يمكنها أن تجعلك تُقدم على تخريب ذاتك، هو اعتقادك بأنك فاقد السيطرة على بعض الأمور في حياتك، وهذا الشعور الخاطئ يجعلك تقوم بتصرفات خاطئة تولد نتائج سلبية، لذا لابد وأن تعرف جيدًا أنك لا يمكن أن تسيطر إلا على نفسك وذاتك وتُغيرها نحو الأفضل.

* قد يكون من الصعب الوصول إلى مصدر المعتقدات التي تعانيها، فالفحص الذاتي يحتاج جهدًا كبيرًا، لكن البداية ستكون بسؤال نفسك “ماذا؟ متى؟ لماذا؟ كيف؟” حاول استكشاف نفسك.
ماذا كانت أفعالك وشعورك؟ ومتى حدث لك ذلك؟ لماذا فعلت ذلك؟ ثم كيف سارت أمورك بعد ذلك؟
ربما لا نحصل على ما نريد لكن ينبغي أن نحصل على ما نؤمن به، فإذا كان لديك مشكلة في إحراز التقدم في حياتك المهنية، فحاول تحليل المعلومات السابقة واطرح التساؤلات كي تعرف كيف خربت ذاتك بتلك المعتقدات السلبية.

بعض الخطوات للتغلب على التخريب الذاتي
لابد من معالجة أسباب التخريب الذاتي وهي التخلص من المعتقدات السلبية أو تحويلها لمعتقدات إيجابية ومحفزة.

أولًا: نتفق جميعًا أنه لا يمكن تغيير ما لا ندركه، لذلك لابد من الوعي بما نشعر به وذلك من خلال ممارسة التأمل الذاتي، لأنه يساعدك -بشكل كبير- على إدراك نفسك كما يسمح لك بمتابعة أفكارك ومشاعرك دون الحكم عليها، حاول أن تبدأ بعشر دقائق تتأمل فيهم ذاتك وتركز على كل ما تشعر به.

ثانيًا: عندما تصبح أكثر وعيًا بذاتك، يمكنك البدء في تحسين تصرفاتك عن طريق القيام بعكس ما كنت تفعله من قبل، ويحتاج ذلك إلى خروجك من منطقة الراحة الخاصة بك والاندماج فيما كنت تبتعد عنه، فمثلا إذا كنت لا تحب الجلوس مع عدة أشخاص ولا ترغب في إقامة علاقات جديدة مع أحد لعدم ثقتك بكل مَن حولك، لا تفعل ذلك حاول البقاء معهم في المكان الذي يجتمعوا فيه يمكنك عدم التحدث ولا الدخول في مناقشات لكن لا تغادر وابق مكانك.

ثالثًا: الطرق السابقة تمثل بداية جيدة للتغلب على تلك المعتقدات السلبية، لكن من الأفضل أن تخلق معتقدات أكثر إيجابية، وذلك من خلال كتابة المعتقدات السيئة التي تريد التخلص منها، وتبديلها بمعتقدات أخرى إيجابية ومحفزة، فمثلا إذا كنت ترغب في إحراز التقدم في حياتك المهنية، اجعل اعتقادك أنك مدير مشروع ناجح.
لاحظ أن ذلك لا يتم بصورة عاجلة بل يستغرق الأمر بعض الوقت من الممارسة والاستمرارية، لذا عليك -دومًا- أن تدرب نفسك على كل اعتقاد إيجابي جديد، ووضع ذلك في مفكرة لك كي تتذكر دائمًا.

رابعًا: ينبغي عليك الاستعانة بشخص تثق به حتى يكون مصدر دعم وسند لك في تغيير معتقداتك، فالأمر يتطلب مجهودًا شاقًا، كما تأتي لحظات عليك تكون فيها على درجة كبيرة من الضعف والإحباط، لذا لابد من وجود شخص يدعمك ويساعدك على تخطي تلك المرحلة والقضاء من كل معتقداتك السلبية التي تؤدي إلى تخريب ذاتك.

اعلم جيدًا أن محاولاتك للتغيير لن تبوء بالفشل -أبدًا- طالما أنك تسعى لتكون أفضل، ستتمكن من تحقيق ذلك وتنجح وتتكون لديك معتقدات جديدة وإيجابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *