تُعد شركة تويوتا من أكبر شركات صناعة السيارات في العالم، وذلك لكونها تعتمد على منهج التطوير المستمر الذي جعلها تقدم السيارات بأسعار مناسبة وجودة عالية بالإضافة إلى خدمة عملاء ممتازة، وهذا التطوير المستمر يسمى بالتميز التشغيلي.
أولا: التميز التشغيلي
هو استراتيجية تعتمد على تحسين العمليات التجارية داخل المؤسسة من أجل تطوير الكفاءة وتقليل الفاقد وجعل المنتجات ذات جودة عالية.
ومن أهم أهداف التميز التشغيلي هو السعي لتحسين تدفق القيمة وزيادة الإنتاجية، فقد قدم هنري فورد مؤسس شركة فورد للسيارات أول خط تجميع حيث ابتكر استراتيجية تقسيم مهام التصنيع من خلال جعل السيارة تتكون من 84 خطوة وقام بتدريب كل موظف على خطوة واحدة مكلف بأدائها، وهذا الابتكار ساعد في تقليل مدة التصنيع إلى 93 دقيقة بدلا من 12 ساعة.
ثانيًا: الفرق بين التميز التشغيلي والتحسين المستمر
قد يبدو أن التميز التشغيلي والتحسين المستمر متشابهين لكن هناك اختلاف بسيط بينهم؛ فالتحسين المستمر يكون للعمليات التجارية ويشمل تغييرات تدريجية على عملية لزيادة الكفاءة وتقليل النفايات، فالتحسين المستمر هو مجرد جزء واحد من المعادلة.
أما التميز التشغيلي هو المنهج الذي تعتمد عليه الشركات لتسهيل التحسين المستمر، ويتطلب تحقيق التميز التشغيلي الدعم من جميع مستويات المؤسسة.
ثالثًا: أهم مبادئ التميز التشغيلي
تستند مبادئ التميز التشغيلي إلى نموذج “شينغو” الذي أنشأه “شيجيو شينو” المهندس الصناعي الرائد في الممارسات التي تتبعها الشركات مثل تويوتا لتحسين عملياتها.
- احترام كل فرد
يبدأ تحقيق التميز التشغيلي باحترام المؤسسة لكل فرد يعمل داخلها وكذلك احترام العملاء لديها، وفي أحد استطلاعات الرأي اجتمعت الأغلبية على أن الاحترام أهم سلوك قيادي لأن الموظفون الذين يشعرون بالاحترام يقومون بأداء عملهم بكل اجتهاد ويظهرون الرضا الوظيفي، ومن أفضل الطرق لإظهار الاحترام أن تشرك الموظفين في عمليات صنع القرار. - القيادة الحكيمة
كل موظف داخل المؤسسة لديه الكثير من المهارات والخبرات التي تمكنه من العمل بنجاح وتحقيق نتائج إيجابية ملحوظة، لذا يجب على القيادة الحكيمة منح العاملين فرصًا لإبداء وجهات نظرهم ومنحهم الحرية في العمل كي يبدعوا ويقدموا المزيد من الإنجازات. - وضع معايير عالية
لا يمكن الوصول إلى الكمال، لكن هذا لا يعني أنك تسعى للعمل في حدود ضيقة، لذلك ينبغي على المؤسسة وضع معايير عالية لأن ذلك يشجع العاملين على التحسين المستمر والتطور للوصول إلى الأفضل دائمًا. - ممارسة التفكير العلمي
ويشتمل على تجربة أفكار ورؤى جديدة والتعلم من نتائجها إن فشلت، فالتغييرات لن تؤدي إلى النتائج المتوقعة دائمًا فالمهم فقط هو التعلم من التجارب الجديدة. - التركيز على العملية
لا يمكن إلقاء اللوم على القائمين على سير العملية التجارية عندما تسوء النتائج، فالأفضل البحث عن السبب ومحاولة علاجه فربما يكون من العملية في ذاتها وبذلك تستطيع أن تحقق نتائج ناجحة. - ضمان جودة المنتج
يجب التأكد من جودة المنتجات في كل مراحل التصنيع وخاصة في أخر مرحلة قبل عرضها للعملاء، لأن عدم الاهتمام بسلامة المنتج وجودته قد يضر بسمعة المنتج والشركة، فاكتشاف الأخطاء قبل خروج المنتج للعملاء يمكن تصحيحها وجعلها صالحة للعرض.
- عمل ميزانية محددة
ويتم ذلك بحساب احتياجات الشركة لتصنيع منتج جديد وشراء تلك الاحتياجات ومحاولة تحديد قيمة الفقد حتى لا تهدر أموال بلا فائدة، بالإضافة إلى إنتاج الكمية التي يتطلبها السوق.
- التفكير بشكل منظم ومرتب
بمعنى البعد عن العمل الروتيني الممل، والانغلاق العقلي، فعند احتياج أي مواد تجدها متوفرة سريعًا دون طلبها والانتظار حتى تأتي لأن ذلك يعطل حركة سير العمل.
- وضوح الرؤية والأهداف
يجب التأكد من معرفة العاملين بأهداف الشركة ورؤيتها المستقبلية حتى يتم التعاون لتحقيق تلك الأهداف وتنفيذ هذه الرؤية. - تقدير العملاء
من خلال فهمك للسوق تستطيع معرفة متطلبات العميل في المنتجات التي يحتاجها، بالإضافة إلى احترام مندوبين الشركة للعملاء والترحيب بهم عند شراء منتجاتهم، فأثبتت بعض التقارير أن ٥٩% من العملاء يوقفون التعامل مع الشركة بسبب تجارب سيئة من مندوبيها.
رابعًا: طرق تحسين العمليات التجارية (التميز التشغيلي)
يوجد ثلاث طرق يمكن للمؤسسات اعتمادها لتحسين عملياتها التجارية وهي التصنيع الخالي من الهدر، وستة سيجما، وكايزن.
- التصنيع دون فقد أو خسارة
هو تحقيق أعلى قيمة وجودة للمنتج بأقل خسائر في الإنتاج مع التحسين المستمر للعملية الإنتاجية.
ابتكرت “تويوتا” نظامًا لتسهيل عملية الإنتاج والتقليل من الخسائر:
1- الإفراط في الإنتاج: لابد من إنتاج ما يتطلبه السوق من كميات، فالإفراط يؤدي إلى وجود مخزون يشغل مساحة تخزينية كبيرة.
2- تحديد خطوات الإنتاج: فالعمليات الطويلة لا تضيف إلا قيمة قليلة وتجعل العاملين غير قادرين على مواصلة العمل، لذا يمكن تقسيم العمليات الطويلة إلى خطوات ولكل عامل خطوة يقوم بها.
3- ضرورة النقل: التنقل في حدود الضرورة القصوى لتقليل التكاليف.
4- الحركة: سهولة تحرك العاملين داخل المؤسسة.
5- ضياع الوقت: وذلك بسبب معالجة بعض الأمور التي لا تضيف أي قيمة.
6- تقليل عيوب الإنتاج: حتى لا تتكلف الشركة تصليحها أو تضطر إلى التخلص منها. - ستة سيجما Six Sigma
هي نموذج حديث يعمل على تحقيق أعلى جودة وتحسين العمليات التجارية للمؤسسة من زيادة الإنتاجية وخفض تكاليف التشغيل.
ويمر هذا النظام بخمس خطوات هي:
1- التعريف: ويتم تحديد المشكلة ومعرفة الأخطاء والعيوب ومحاولة إصلاحها.
2- القياس: جمع البيانات للتعرف على أسباب المشكلة.
3-التحليل: فبعد جمع البيانات يقوم فريق العمل على تحليل تلك البيانات للوصول إلى أصل المشكلة.
4- التحسين: التوصل إلى الحلول التي تساعد في تحسين الأداء.
5- المراقبة والتحكم: القيام بمتابعة التحسينات والتحكم فيها للتأكد من عدم العودة للممارسات القديمة. - كايزن
وهي كلمة يابانية تعني “التحسين” المستمر في العمليات التجارية على كافة المستويات داخل المؤسسة.
وأحد الأمثلة على ذلك مبدأ “جيدوكا” في نظام إنتاج تويوتا، فعند حدوث عطل طارئ في الآلة فإنها تتوقف ذاتيًا بينما يطلق العامل الإنذار لإيقاف باقي خط الإنتاج، للوصول إلى الخطأ ومحاولة حله قبل وضعها على خط الإنتاج وبالتالي لا يتم إنتاج بضائع فاسدة.
ويعتمد هذا المبدأ أو النظام “جيدوكا” على كشف الخلل والمشكلة، وإيقاف الآلة، وإصلاح الوضع، والتحقيق في أصل المشكلة.
خامسًا: كيف يتم تحقيق التميز التشغيلي
هذا التميز التشغيلي يتطلب جهدًا مستمرًا يشارك فيه جميع العاملين داخل المؤسسة عبر عدة خطوات تسهم في تحقيقه وهي:
- الدعم: لكي تستمر في التحسين داخل المؤسسة لابد من الحصول على الدعم والمساندة من كافة المستويات بدءًا من الإدارة العليا إلى موظفي الخطوط الأمامية.
- تحديد الأهداف: قم بتحديد ما تريده من تحقيق التميز التشغيلي، ومن هذه الأهداف تحسين الكفاءة التشغيلية، تخفيض العيوب، إرضاء العميل، وتقليل الخسائر، وتحسين عملية التصنيع.
- اختيار الطرق الصحيحة: إذا كنت ترغب في زيادة الكفاءة التشغيلية، يمكنك اختيار سيجما ستة Six Sigma لأنه يوفر أسلوبًا منظمًا لتحسين العملية، أما إذا أردت تقليل الخسائر على خط التجميع فاستخدم مبدأ التصنيع الخالي من الهدر.
- تقييم الوضع الحالي للعملية: ينبغي عليك جمع كل المعلومات الخاصة بالعملية، وعمل تحليل للوصول إلى مجالات التحسين، ربما يكون داخل المؤسسة عمليات كثيرة لتحسينها فيمكنك البدء بواحدة فقط وتحقيق نتائج فعالة وسوف يتشجع العاملون لتحسين باقي العمليات.
- تنفيذ التغييرات الجديدة: بعد تقييم العملية يمكنك تنفيذ التحسينات، فمثلا لجعل عملية الشراء ذات كفاءة يمكنك إدخال الرقمنة وتسهيلها وستكون بذلك أكثر فاعلية.
- تكرار التحسينات: قم بمتابعة التحسينات وفحص نتائجها حتى تتمكن من تقييمها وتكرار تلك التحسينات على عمليات أخرى، فأساس التميز التشغيلي هو الاستمرار في التحسينات دائمًا.