يعتقد البعض أن القيادة أو الإدارة التي تتسم بالقبضة الحديدية هي الأساس لتحقيق الأهداف في سوق العمل، ويعتقدون أيضًا أن تكليف الموظفين بالعديد من المهام يجعل الشركة تحصد المزيد من الأرباح، فأحد المديرين التنفيذين لشركة ما أبدى سعادته لكون العاملين في شركته لا يأخذون كل أيام إجازاتهم، وبالتالي تم توفير الأموال للشركة، لكن سعادته هذه لا تدوم لأن العاملين معه سيصابون بالتوتر من عبء العمل الزائد مما يؤدي إلى وقوع بعض الأخطاء أثناء أداء المهام.
ومثل هذه الاعتقادات تؤدي -دومًا- إلى نتائج سلبية وآثار سيئة ربما تؤدي خسارة الشركة وانهيار أعمالها.
والشائع لدى الكثيرين أن المهارات الشخصية كالثقة والتعاطف والتواصل الفعال ترتبط بالضعف وعدم كفاءة أصحابها، ويجب أن يتمتع العاملين بالمهارات الصعبة أو التقنية كالقدرة على استخدام الآلات وإتقان عدد من اللغات، ومع التقدم الذي تشهده الشركات في عالم المال والأعمال، نجد أن المهارات الشخصية أساس النجاح والازدهار في سوق العمل بجانب المهارات التقنية، لأنها تساعد على مشاركة الموظف وتضمن رفاهيته وتسهم في تنميته وتطوره.
وقد أفاد استطلاع شمل 5,164 متخصصًا في المواهب ومديري التوظيف من قبل تقرير اتجاهات المواهب العالمية من LinkedIn، أن 80٪ من المستجيبين قالوا إن المهارات الشخصية تزداد أهمية في عالم الأعمال اليوم، وقال 92٪ إن القدرات البشرية والمهارات الشخصية مهمة بنفس القدر أو أكثر من المهارات الصعبة، كما قال 89٪ إن عدم نجاح عملية التوظيف تكمن في نقص المهارات الشخصية.
وتتوقع “ديلويت” وهي أكبر شركة خدمات مهنية في العالم، أن المهن التي تتطلب المهارات الشخصية سوف تمثل ثلثي الوظائف بحلول عام 2030 وتنمو بمعدل 2.5 ضعف معدل الوظائف في المهن الأخرى.
والآن يمكننا القول بإن أساس النجاح والتقدم والتطور هو تحقيق التوازن بين المهارات الصعبة (التقنية) والمهارات الناعمة (الشخصية)، فتقول ليديا ليو وهي من Global Talent Trends “مع إن المهارات الصعبة تساعد في جعل قدم المرشح أمام الباب، إلا أن المهارات الناعمة هي التي تجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام المرشح”.
المهارات الأساسية في السوق العالمية اليوم
أولًا: التعاطف مع الذات
تثبت الأبحاث مدى أهمية الرعاية الذاتية والتعاطف في الحد من ضغوطات العمل وتحسين الأداء الوظيفي، كما يؤكد علم النفس العصبي أن التعاطف مع الذات لا يرتبط فقط بالإعجاب بالنفس، وإنما هو أداة مهمة للنجاح أو الفشل الوظيفي، وتفسر ذلك الدكتورة كريستين نيف وهي أستاذة في قسم علم النفس التربوي في أوستن، فترى أن سيطرة الشخص على خوفه وتوتره تمكنه من النجاح، فحين يفشل الشخص في أداء عمل ما يستطيع أن يتخطى اليأس والحزن الذي سببه الفشل وذلك من خلال تعاطفه مع ذاته وتشجيعه على التعلم من الخطأ وبذلك يستطيع النمو والتقدم.
ثانيًا: بناء الثقة
ينبغي على المؤسسات أن تقوم ببناء الثقة بينها وبين جميع العاملين لديها، ويرى الاقتصاديون السلوكيون أن الثقة تؤدي إلى مكاسب اقتصادية أعلى وتزيد التعاون المثمر في مكان العمل، كما تؤكد شركة ديلويت أن الشركات التي لديها جدار فعال من الثقة تتفوق على أقرانها بنسبة تصل إلى 400%، فحوالي 88% من العملاء الذين يتوفر لهم الثقة في علامة تجارية ما يكونون أكثر احتمالا للشراء مرة أخرى، وأيضًا العاملون الذين يثقون في شركاتهم يتوفر لديهم حماسة كبيرة لتقديم أفضل أداء في إنجاز العمل.
ويكمن العامل الأساسي لبناء الثقة في وجود كل من الصدق والشفافية، فالشركات التي تعتمد على الوضوح والشفافية يكون موظفوها أكثر انتماء لها ودفاعًا عنها أمام أي انتقاد تواجه، فالثقة تقلل احتمالية العاملين ترك وظيفتهم والبحث عن وظيفة أخرى.
ثالثًا: التعاطف
تشير الدراسات إلى أهمية التعاطف لما له من آثار إيجابية بعيدة المدى، فإظهار القادة للتعاطف والود مع الموظفين يؤدي إلى رفع الروح المعنوية لدى الفريق وتحسين الأداء الوظيفي.
وقد أوضحت دراسة قامت بإجرائها شركة كاتاليست على 889 موظفًا، أن العاملين الذين لديهم قادة متعاطفون معهم يتميزوا بعدة صفات مقارنة بأولئك الذين لديهم قادة أقل تعاطفًا وهذه الأمور هي:
- مبتكرون بنسبة حوالي 61٪، مقارنة ب 13٪
- مشاركون 76٪، مقارنة ب 32٪
- يتم الاحتفاظ بهم، كانت 57٪ من النساء البيض و62٪ من النساء ذوات البشرة الملونة أقل عرضة لترك مناصبهن عندما شعرن بالتقدير، مقارنة ب 14٪ من النساء البيض و30٪ من النساء ذوات البشرة الملونة
- التوازن حيث قال 86٪ إنهم كانوا قادرين على تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والحياة، مقارنة ب 60٪.
ويركز جون شاناهان الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Businessolver على أهمية التعاطف في مكان العمل لما يحصده من نتائج إيجابية وتحقيق الأهداف والطموحات.
رابعًا: الاتصال
يعتبر التواصل الفعال من أهم الأشياء التي ينبغي على المؤسسات أن توفرها لما يجلبه من نتائج مثمرة، وتشير مؤسسة غالوب للاستشارات في استطلاع لها إلى أن العاملين الذين لا يشعرون بالانتماء إلى مكان عملهم ويرونه مكانًا غير عادل يؤدي ذلك إلى عدم مشاركتهم وتواصلهم مع قادتهم، فتوافر وسائل الاتصال الفعال في مكان العمل لها فوائد كبيرة لكل من الموظفين وأصحاب العمل.
عندما تعطي الشركات الأولوية للاتصالات، فيكون لديها 2.3 مرة أكثر انخراطا في الموظفين، و 5.4 مرات أكثر احتمالا أن تكون رشيقة و 3.2 مرة أكثر احتمالا لإرضاء العملاء.
خامسًا: اللطف
تشير الدراسات إلى أهمية التعامل بلطف ورفق مع العاملين وتوجيههم بأسلوب مهذب، لأن ذلك يسهم في سعادتهم ورضاهم الوظيفي وبالتالي يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والأرباح، فبيئة العمل التي تهتم برفاهية الموظف وصحته العقلية تحصد أفضل النتائج الإيجابية وذلك وفقا للدراسات الحديثة.