تسعى المؤسسات جاهدة لتحسين عملياتها من أجل مواكبة التغييرات التي تحدث بشكل مستمر، ونموذج كايزن وغيره من وسائل وأدوات التصنيع الخالي من الهدر يوفر للمؤسسات الأسس والمبادئ التي تتكئ عليها من أجل التغيير للأفضل وإحراز التقدم بصورة متواصلة.
شوهارت والعمليات الإحصائية
والتر شوهارت هو الخبير الإحصائي والفيزيائي الأمريكي، وأثناء عمله في عشرينيات القرن الماضي بمختبرات بيل قام بابتكار مفاهيم التحكم الإحصائي للعمليات، كما عمل على تطوير أداة مخطط التحكم.
وفي عام 1924 قام شوهارت بتطوير طريقة التحكم في العمليات الإحصائية SPC، وهذه الطريقة تساعد على مراقبة العمليات وتنظيمها لضمان عملها بأعلى القدرات الممكنة، فهي تراقب الجودة من خلال استخدام الإحصاءات، وفي حالة بقاء العملية كما هي ستبقى النتيجة كما هي أيضًا، وبذلك تستطيع التنبؤ بما سيحدث في المستقبل بناء على ما حدث في الماضي، وأكد شوهارت من خلال مفاهيم SPC أن التحكم الإحصائي بعمليات الإنتاج يجعل لديك القدرة على توقع النتائج المستقبلية لعملية الإنتاج المحددة.
وتسعى تلك الطريقة إلى اكتشاف الأخطاء بصورة مبكرة وتجنبها بدلا من تصحيحها بعد الوقوع فيها، وبذلك يحقق المنتج جودة عالية ولا يحتاج إلى إعادة العمل عليه مرة أخرى، ومراحل تلك الطريقة SPC هي:
* فهم العملية
* فهم الحدود لضبط المواصفات الخاصة بالعملية
* محو أسباب الاختلاف لجعل العملية مستقرة
* اكتشاف أهم التغييرات من خلال المراقبة المستمرة لعملية الإنتاج، ويمكن استخدام مخططات التحكم كأداة لمراقبة العملية.
ويقوم شوهات بالجمع بين مفهوم التحكم الإحصائي واستخدام مخططات التحكم، وذلك من أجل تطبيق الرقابة الإحصائية على العمليات.
مخططات التحكم
في عام 1924 طوّر شوهارت مخطط التحكم والذي يطلق عليه أيضًا مخطط شوهارت ومخطط السلوك، وهو عبارة أدوات يتم استخدامها للتحكم الإحصائي في العمليات واستنتاج إذا كانت عملية التصنيع في حالة تحكم أم لا.
وبعد أن يُظهر مخطط التحكم استقرار العملية يحدث بعض التفاوت أو الاختلافات ولا يستوجب الأمر إجراء تغييرات فمن الممكن استخدام الرسم البياني للتنبؤ بالنتائج المستقبلية لهذه العملية، أما في حالة كانت العملية غير مستقرة فينبغي تحليل المخطط لمعرفة من أين تأتي المشكلة حتى يمكن توقع النتائج.
العناصر الموجودة في مخطط التحكم
* النقاط الإحصائية وتمثل قياسات خصائص جودة العملية، ويمكن الحصول على تلك القياسات الإحصائية للجودة من مخرجات العملية واستخدامها للمقارنة.
* العمل على حساب متوسط كل هذه القياسات الإحصائية للجودة.
* القيام بتدوين متوسط القياسات الإحصائية للجودة وذلك من خلال رسم خط وسط في قيمة متوسط الإحصائية.
* يمكن حساب الخطأ بناء على جميع القياسات الإحصائية للجودة التي تم جمعها.
* يتم تمييز المخطط بحدود التحكم العلوية والسفلية من أجل تحديد الرقم الذي يكون فيه إنتاج العملية غير محتمل من الناحية الإحصائية.
وليام إدواردز ديمنغ
لقد كان ديمنغ مهندسًا أمريكيًا ومستشارًا إحصائيًا، التقى ديمنغ عام 1927 بشوهارت وأعجب بمفاهيم شوهارت حول التحكم الإحصائي في العمليات وقام بدراستها حتى توصل إلى أن مفاهيم وعمليات شوهارت يمكن تطبيقها على كل عمليات التصنيع والعمليات التي تدير المؤسسات والشركات.
وعليه قام ديمنغ بتحرير مجموعة من المحاضرات التي ألقاها شوهارت عام 1937، والتي نشرت بعد ذلك فيه كتاب بعنوان “الرقابة الاقتصادية على جودة المنتجات المصنعة”.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي عمل ديمنغ مع مكتب الإحصاء الأمريكي للمساعدة في تطوير تقنيات أخذ العينات والتي استخدموها في عام 1940 وما زال استخدامها حتى اليوم.
أما في عام 1943 قام ديمنغ بعمل أول دورة له في الإحصاء التطبيقي الأساسي من خلال تعليم المهندسين وأشخاص آخرين بهدف دعم الجهود الحربية.
ثم بدأ برنامجًا تعليميًا وذلك لمدة عامين، وفيه عمل على تدريس برنامج التدريب على الإحصاء في ستانفورد، ووصل عدد المتعلمين إلى ما يقرب من 2000 شخص.
أما في عام 1946وبعد الحرب العالمية الثانية كان ديمنغ يعمل كمستشار خاص، وقد أرسله القسم الاقتصادي والعلمي في وزارة الحرب إلى اليابان من أجل دراسة مشكلات الإنتاج الزراعي والقضايا الأخرى التي تضررت من الحرب.
وفي عام 1947 ذهب ديمنغ إلى اليابان من أجل مساعدة الإحصائيين في تقييم قضايا التغذية ومشاكل الإسكان، وقد اعتبرته الجمعية الإحصائية اليابانية (JSS) عضوًا فخريًا.
أما في عام 1950 قام الاتحاد الياباني للعلماء والمهندسين بدراسة مخطط شوهارت وأراد الاتحاد خبيرًا من أجل تعليمهم المزيد حول هذا الموضوع، فسعى أعضاء الاتحاد إلى ضمه إليهم كي يعلمهم التحكم الإحصائي.
وأصبح ديمنغ معلمًا لمئات من كبار الصناعيين والمهندسين في اليابان ودرّس لهم مفاهيم الجودة ومراقبة العمليات الإحصائية SPC، وكان يوجه المدراء التنفيذيين إلى العمل على زيادة مستوى الجودة لأنه يسهم بشكل كبير في الحد من النفقات ويساعد على زيادة الإنتاجية.
وبذلك قامت العديد من شركات التصنيع اليابانية باتباع تقنيات ديمنغ من أجل تحقيق مستويات أفضل من الجودة والإنتاجية، ونتج عن ذلك تزايد في الطلب الدولي على المنتجات اليابانية بسبب قلة تكلفتها وزيادة جودتها.
وفي خمسينيات القرن العشرين كانت اليابان على مقربة من أن يصبح اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بفضل تعاليم ديمنغ عن التحسن المستمر.
وبناء على ذلك تم منح ديمنغ جائزة من قبل إمبراطور اليابان عام 1960 لريادته وتطبيقه كايزن التحسين المستمر والتغيير للأفضل، وتسمى تلك الجائزة “ميدالية النظام 2 من الكنز المقدس”.
التدريب داخل الصناعة Training Within Industry
لقد قامت وزارة الحرب الأمريكية بإنشاء برنامج التدريب داخل الصناعة TWI داخل لجنة القوى العاملة الحربية وذلك من عام 1940 حتى عام 1945، وكان الهدف منه تقديم الاستشارات حول الصناعات المتعلقة بمعدات الحرب، فكان بمثابة خدمة طوارئ في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية.
وعمل الخبراء في مجال الصناعة على تطوير تقنيات من أجل تسريع إنتاج المواد الحربية، وهنا كانت تكمن أهمية هذا البرنامج لتدريب العمال الجدد غير المهرة سريعًا في الإنتاج الحربي، حيث استدعت الحاجة لوجود العاملين الجدد بدلا من القوى العاملة الماهرة التي ذهبت إلى الحرب.
ويمكننا توضيح أمر ما وهو أن تطوير هذا البرنامج جاء من طريقة أو نموذج تشارلز ألين الذي تم تعيينه لرئاسة برنامج مكونًا من خطوات أربع (Show، Tell، Do، Check) لتدريب العاملين وزيادة عددهم من أجل تصنيع 10 أضعاف من السفن عام 1919، ونشر -تشارلز- عمله في كتاب بعنوان “المُعلم.. الإنسان.. العمل”.
وتكوّن هذا البرنامج من عدة دورات تدريبية تم تقسيمها إلى أربع وكل منها مدته عشر ساعات:
* تعليمات العمل: وكانت هذه الدورة لتعليم المدراء وذوي الخبرة والمشرفين كيفية تدريب موظفيهم الجدد بصورة سريعة، وذلك من خلال تقسيم العمل إلى عدة خطوات ومتابعة العاملين الجدد عن قرب لمعرفة مدى نجاحهم في تأدية الخطوات واتخاذ الإجراءات دون الحاجة إلى مدرب.
* طرق العمل: وهذه الدورة يتلقاها العاملين من أجل إجراء تقييم حول كفاءة العمل واقتراح تحسينات منطقية، فإذا توصل العامل أن المهمة غير فعالة فيتم تكليفه بإيجاد حل مناسب لجعلها ذات كفاءة من خلال العمل على خطواتها وإعادة ترتيبها أو تبسيطها، وبعد ذلك يقدمها إلى المشرفين للحصول على الموافقة لأدائها.
* علاقات العمل: ويتلقى تلك الدور المدراء والمشرفين من أجل اكتسابهم المعرفة والخبرة حول طرق التعامل الفعال مع موظفيهم وترسيخ الثقة.
* تطوير البرنامج: وتلك الدورة تقوم على تعليم المدربين أساليب المساعدة من أجل حل المشكلات المتعلقة بالإنتاج من خلال التدريب.
ونجد أنه بعد الحرب العالمية الثانية تم تعيين مجموعة القسم الاقتصادي والعلمي للمساعدة في تحسين المهارات الإدارية في اليابان، وكان تدريس برنامج TWI جزءًا من عملهم، وأطلقوا عليه “التحسين في أربع خطوات”، ورأى البعض أنه البداية الفعلية لنهج كايزن في اليابان وتطبيقه في الصناعات اليابانية.
تويوتا موتور كوربوريشن
تُعد شركات تويوتا من ضمن الشركات اليابانية التي استعانت بـ كايزن وتعاليم ديمنغ وبرنامج TWI.
ففي عام 1950 قامت تويوتا باستخدام حلقات الجودة (Quality Circles) وهي إحدى نظريات الجودة الشاملة اليابانية، وتقوم على بناء أو تشكيل فريق من العاملين لديهم نفس الوظيفة فيجتمعون من أجل تحديد القضايا المتعلقة بعملهم وتحليلها وتقديم حلول أو مقترحات حول تلك القضايا، وغالبًا يقوم المدير برئاسة الاجتماع وأخذ الأفكار والحلول لعرضها على الإدارة العليا.
ومن الملاحظ أن تطبيق حلقات الجودة وبرنامج التدريب TWI ساعد بشكل كبير في تطوير نظام إنتاج تويوتا (TPS).
وقد اعتمد نظام إنتاج تويوتا على نهج اللين Lean الذي يقوم على التخلص من عوامل التبذير، والوصول إلى عمليات تصنيع خالية من الهدر من خلال الأدوات الشائعة muda، Kaizen، Just-In-Time، Jidoka.
ماساكي إيماي
يُعد ماساكاي إيماي العالم والاقتصادي الياباني أول من قدم كايزن إلى اليابان وذلك عقب الحرب العالمية الثانية، وبدأت تلك الأفكار والنظريات تعود للغرب في أواخر القرن العشرين من خلال أعمال ماساكي ومنشوراته.
شهدت العاصمة اليابانية طوكيو ميلاد ماساكي عام 1930 الذي اشتهر بتطبيقه لكايزن والإدارة الفعالة للجودة، حيث قدمها في كتابه الذي صدر عام 1986 بعنوان ” كايزن مفتاح النجاح التنافسي في اليابان”، وتم ترجمة الكتاب إلى أكثر من 12 لغة ليلقى رواجًا كبيرًا في مجالات العمل بأوروبا وأمريكا الشمالية.
وبمجيء عام 1985 قام ماساكي بتأسيس معهد كايزن من أجل نشرها حول العالم ولا يزال حتى الآن رئيسًا لهذا المعهد.